يُخَصّص كلامه، ومتى كان ابن عقيل مخالفًا للنّصوص الشّرعيّة في هذه المسألة حتى تحتاج إلى تحسين الظّنّ به، اللهمّ إلَّا أن يكون السّبكيّ وأضرابه ممن يرى البِدعة سُنّة، ولم يميّز بين صحيح الأدلّة وسقيمها. وأمّا تكذيبه لفتيا علماء بغداد الذين أفتوا بصحّة ما قاله شيخ الإسلام، وقوله:«إنّها مختلفة» ؛ فهذا لا يثبت بالظّنّ والتّخمين، ولو جاز رَدّ أقوال العلماء بمثل هذا؛ لكان كلّ أحد لم يعجز عنه، وكيف يُظَنّ الاختلاف على علماء موجودين في ذلك الزّمان تبلغهم الكتابة؟! وأيضًا فإنّ الإمام ابن عبد الهادي قد قال في أوّل «الصّارم المنكي» : «قد اطّلعتُ على إفتاء علماء بغداد أنا وغيري، ورأينا خطوطهم عليها» ، ولكن مَن حمله تعصّبه إلى مثل هذا الهذيان؛ فلا بدع به أن يقول ما هو أعظم من ذلك، وقد ذكر فتيا أهل بغداد الشّيخ مرعي في كتابه «الكواكب الدّريّة في ترجمة ابن تيميّة» ـ المطبوع في مصر ـ؛ فلا نطيل بذكرها.
وأمّا قوله:«إنّ ابن تيميّة لم يُنازع في شدّ الرّحل للزّيارة فقط؛ بل مقصود منع الزّيارة أيضًا» :
أقول: هذا افتراء محض على شيخ الإسلام؛ لأنّ كلّ مَن طالع كتبه يجد فيها استحبابه زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكذا زيارة غيره من المسلمين، وإنّما قسّم الزّيارة إلى شرعيّة وبدعيّة ـ كما ذكره السّبكيّ نفسه عنه في هذه الجمل ـ.
وأمّا قوله:«وقد بقي عليه قسم ثالث؛ وهو: زيارتها للتبرّك بها» :
فيقال له: هذا القسم لم يُعَرّج عليه شيخ الإسلام ولا غيره من العلماء الأعلام الذين جعلهم الله هداة للأنام؛ فإنّ هذا القسم قد دخل في فسم الزّيارة البدعيّة الشّركيّة؛ كما يعلمه مَن تتبّع النّصوص الشّرعيّة الواردة في زيارة القبور، فليس فيها استحباب زيارة القبور للتبرّك بأهلها؛ وإنّما فيها الزّيارة لأجل تذكّر الآخرة والدُّعاء والتّرحّم والسّلام على أهلها، ليس إلَّا، وإن كان السّبكيّ يقول:«هناك قسم آخر» ؛ فعليه الدليل، وأنّى له