للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحد، زاهدًا في الدُّنيا معرضًا عن المناصب والوظائف، مختارًا للدّار الآخرة الباقية على الدّار الفانية؛ فصدق عليه أنّه عالم ربانيّ ومتعلّم على سبيل نجاة. وأمّا ابن حجر فكان على خلاف ذلك من حبّ الدُّنيا والشّهرة والتّفاخر، مقلدًا في دينه غيره من الأصول والفروع، إن أصاب مقلّده أصاب، وإن أخطأ أخطأ؛ فصدق عليه ما قاله أمير المؤمنين في وصف أهل القسم الثّالث.

فصل

وهذا أوان الشّروع في الرّد على ما قاله ـ وبالله التّوفيق ـ.

وهنا تنبيه؛ وهو: أنّي إذا عبتُ المتأخّرين وكتبهم؛ فلا أقصد عامّتهم؛ بل أعني: الذين لم يعيروا الدّليل نظرهم ولا ينتصرون له؛ بل جمدوا على التّعصّب للمذهب، ولو أورد عليه مخالفه عشرين دليلًا لم يلتفت لشيء من ذلك! بل يقول: المذهب هكذا! ومعاذ الله أن أعيب على كافّة المتأخّرين وكتبهم؛ بل أقول: وكم من المتأخّرين مَن فاق بعض المتقدّمين بأضعاف مضاعفة، كما أنّي لا أمدح كافّة المتقدّمين ومصنّفاتهم؛ بل أقول: وكم في المتقدّمين مَن هو أصل بلاء الأُمّة.

فالحاصل: أنّي إذا مدحتُ أو عبتُ؛ فإنّما مُرادي: الذين نصروا الدّليل وتشيّعوا لله ورسوله، ولم يُهملوا شيئًا من الأدِلّة الصّحيحة، لا في أصول الدّين ولا في فروعه، سواء كان من المتقدّمين أو من المتأخّرين، وكلّ مَن قدّم عقله وآراء الرّجال على الأدِلّة الشّرعيّة؛ فهو المعنيّ بالقدح والذمّ، سواء كان من المتقدّمين أو من المتأخّرين؛ فاحفظ هذا، والله يؤيّدك.

قول ابن حجر: «فإن قلتَ: كيف تحكي الإجماع السّابق على مشروعيّة الزّيارة والسّفر إليها وطلبها، وابن تيميّة ـ من متأخّري الحنابلة ـ منكر لمشروعيّة ذلك كلّه، كما رآه

<<  <   >  >>