بدعائهم فغير محظور، وإذا اعتقد أنّهم وسائل (لله) بذواتهم يسأل منهم الشّفاعة للتقرّب إليهم؛ فذلك عين ما كان عليه المشركون الأوّلون.
فتبيّن أنّه لا دلالة في الحديث على جواز الاستغاثة بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم أصلًا.
والعراقيّ نقل عبارة شيخ الإسلام محرّفة؛ وهذه هي عبارته في كتابه «اقتضاء الصّراط المستقيم» ؛ قال: «والميّت لا يطلب منه شيء، لا دعاء ولا غيره، وكذلك حديث الأعمى؛ فإنّه طلب من النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ليردّ الله عليه بصره؛ فعلّمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعاءً أمره فيه أن يسأل الله قبول شفاعة [نبيه فيه؛ فهذل يدلّ على أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شفع [فيه] ، وأمره أن يسأل الله قبول الشّفاعة] ، وأنّ قوله: «أسألك وأتوجّه (إليك) بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة» أي: بدعائه وشفاعته؛ كما قال عمر:«كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا» ؛ فلفظ (التّوسّل) و (التّوجّه) في الحديثين بمعنى واحد. ثم قال:«يا محمّد يا رسول الله؛ إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي ليقضيها؛ اللهمّ فشفّعه فيّ» ؛ فطلب من الله أن يشفّع فيه نبيّه.
وقوله:«يا محمّد يا نبيّ الله» ؛ هذا وأمثاله نداء يُطلب به استحضار المنادى في القلب؛ فيخاطب المشهود بالقلب؛ كما يقول المصلّي:«السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته» ، والإنسان يفعل مثل هذا كثيرًا؛ يخاطب مَن يتصوّره في نفسه، وإن لم يكن في الخارج مَن يسمع الخطاب.
فلفظ (التّوسّل بالشّخص) و (التّوجّه به) و (السّؤال به) ؛ فيه إجمال واشتراك؛ غلط بسببه مَن لم يفهم مقصود الصّحابة:
١ـ يُراد به: التّسبّب به؛ لكونه داعيًا وشافعًا مثلًا، أو: لكون الدّاعي محبًّا له مطيعًا لأمره مقتديًا به؛ فيكون التّسَبّب إما بمحبّة السّائل له واتّباعه له، وإمّا بدعاء الوسيلة وشفاعته.