جميع النّاس؛ فكذلك مَن تقرّب إليه بالأعمال القلبيّة المذكورة ـ من: التّوكّل والإنابة والخوف والرّجاء وغير ذلك ـ، لكن لما كانت هذه الأمور القلبيّة من التّألّه، وكان الأوّلون يتألّهون بها ويسمّون مَن تآله بها إلهًا، وكان مرجع كلّ ذلك إلى القلب وأعماله التي هي منبع التّوحيد ومصدر هذا الدّين والمرجع إليه في الشّك واليقين؛ ومع ذلك؛ فهي الفارقة بين الإله الحقّ الذي اختصّ بها على الدّوام، والإله الباطل الذي لا يحوم الموحّد حوله بهذا المقام؛ كان ذلك هو الدّاعي للتّخصيص والموجب للتّنصيص. وأيضًا؛ فالكلام على مَن حصل منه الشّرك بما تآلهه في قلبه ورسخ بفؤاده ولبّه من الأعمال الغير مختصّة بالمسلمين، وأمّا هذه الأعمال الظّاهرة الشّرعيّة المختصة بهم؛ فلا يتعاطاها أحد لمن سواه، ولم نرها تُعمَل إلَّا لله، ولم يعبدوا بها إلَّا إيّاه؛ فهذا هو الذي أوجب تخصيصهم لهذه الأعمال القلبيّة، وبعض البدنيّة ـ كالسُّجود وحلق الرأس عبوديّة ـ؛ وإلَّا فجميع العبادات ـ قلبيّها وقوليّها وبدنيّها ـ مختصّة به ـ سبحانه وتعالى ـ؛ لا تصلح إلَّا له.
قال المحقّق السّعد التّفتازانيّ في شرحه لـ «المقاصد» ما نصّه: «اعلم أنّ حقيقة التّوحيد: اعتقاد عدم الشّريك في الألوهيّة وخواتمها، ولا نزاع بين أهل الإسلام أن خلق الأجسام وتدبير العالم واستحقاق العبادة من الخواصّ» ، ثم قال في آخر هذا المبحث:«وبالجملة: فإنّ التّوحيد في الألوهيّة واجب شرعًا وعقلًا، وفي استحقاق العبادة شرعًا؛ {وما أمروا إلَّا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلَّا هو سبحانه عمّا يشركون} » انتهى.
وقد أفرد شيخ الإسلام لتحقيق معنى العبادة رسالة مفيدة ـ وهي: رسالة «العبوديّة» ـ؛ فراجعها.
وأمّا الثّاني ـ أعني: ما هو من خصائص الألوهيّة ـ: فاعلم أنّ توحيد الله ـ تعالى ـ بالتّعظيم ـ كما قاله العلّامة القرافيّ