ليس مشروعًا؛ إذ لو كان مشروعًا لم يتركه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم أحرص النّاس على فعل الواجب والمندوب وكيف يكون هذا مستحبًّا ولم يثبت عن أحد منهم أنّه شدّ رحله وسافر لزيارة قبر من القبور، لا قبر نبيّ ولا غيره، ومعلوم أنّ القبور موجودة كثيرة في كلّ زمان ومكان، وهذا لو فُرِضَ أنّه لم يأتِ نهيٌ في ذلك؛ فكيف وقد جاء النهي مصرّحًا به في الصحيحين وغيرهما؛ وهو حديث:«لا تُشَدّ ... » ـ بصيغة الفعل المضارع المبني للمجهول للمؤنثة الغائبة، لا بصيغة الأمر [للجمع من الذُّكور]ـ « ...
الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد» ؛ فعُلِمَ بهذا تخصيص عموم لفظ (الزّيارة) لو سلم عمومه، وأما الزّيادة التي جاءت من طريق مسلم بن سالم الجهنيّ؛ فقد علمتَ ما فيه من كلام العلماء، ومقلها لا يثبت به حكم شرعيّ، ولو صحّت هذه الزّيادة؛ لكانت نصًّا في الرّسالة لم يحتج معه إلى قيل وقال، ولكن حيث أنها موافقة لرأي السُّبكيّ وسكت عما لها وما عليها، ونحن قد بيّنّا ـ فيما مضى ـ سقوطها؛ فلم يبقَ إلا عموم لفظ الزّيارة، وقد تقرّر في الأصول: أنّ اللفظ إذا كان محتملًا لعدّة معان؛ حُمِلَ على معنى منها بقرينة؛ لأنّ استعمال اللفظ في جميع معانيه لا يسوغ، وحيث أنّنا بيّنّا كيفية زيارته صلى الله عليه وسلم وأصحابه للقبور، وليس فيها شدّ رحل ولا سفر؛ تعيّن حمل اللفظ على معنى واحد؛ وهو الزّيارة من غير سفر ولا شدّ رحل ـ كما فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ، وهذا كافٍ في التّخصيص؛ فكيف وقد جاء المخصّص لهذا العموم ـ وهو حديث الصحيحين (كما مرّ ذكره) ـ؟!
وقوله:«فإن كانت كل زيارة قُربة؛ كان كلّ سفر إليها قربة» : صحيحٌ لو سلمت هذه الزّيادة من التّخصيص المتقدّم ذكره ـ وهو: نهيه صلى الله عليه وسلم عن إعمال المطي إلى غير المساجد الثّلاثة ـ؛ فعليه؛ لا يكون السّفر لمجرد الزّيارة قُربة، وكيف يكون قُربة وينهى عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يفعله ولو في العمر مرّة، ولا يفعله أحد من أصحابه؟! وهل يقول