للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في موضع آخر من كتابه العزيز؛ فقال: {وما أدراك ما يوم الدّين * ثم ما أدراك ما يوم الدّين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله} ؛ ومَن كان يفهم كلام العرب ونكته وأسراره؛ كفته هذه الآية عن غيرها من الأدِلّة، واندفعت لديه كلّ شبهة.

٤ـ ومن ذلك: {إيّاك نعبد} ؛ فإنّ تقديم الضّمير قد صرّح أئمّة المعاني والبيان وأئمّة التّفسير: أنّه يفيد الاختصاص؛ فالعبادة لله ـ سبحانه ـ، ولا يشاركه فيها غيره ولا يستحقّها، وقد عرفتَ أنّ الاستغاثة والدُّعاء والتّعظيم والذّبح والتّقرّب من أنواع العبادة.

٥ـ ومن ذلك: قوله {وإيّاك نستعين} ؛ فإنّ تقديم الضّمير ههنا يفيد الاختصاص ـ كما تقدّم ـ؛ وهو يقتضي أنّه لا يشاركه غيره في الاستعانة به في الأمور التي لا يقدر عليها غيره.

فهذه خمسة مواضع في فاتحة الكتاب؛ [يفيد كلّ واحد منها: إخلاص التّوحيد. مع أنّ فاتحة الكتاب] ليست إلَّا سبع آيات؛ فما ظنّك بما في سائر الكتاب العزيز؛ فذكرنا لهذه الخمسة المواضع في فاتحة الكتاب كالبرهان على ما ذكرناه من أنّ في الكتاب العزيز من ذلك ما يطول تعداده، وتتعسّر الإحاطة به.

٦ـ وممّا يصلح أن يكون موضعًا سادسًا لتلك المواضع الخمسة في فاتحة الكتاب: قوله

{ربّ العالمين} ؛ وقد تقرّر ـ لغةً وشرعًا ـ أنّ (العالَم) ما سوى الله ـ سبحانه ـ، وصيغ الحصر إذا تتبعتها من كتب المعاني والبيان والتّفسير والأصول؛ بلغت ثلاث عشرة صيغة فصاعدًا، ومَن شكّ في هذا؛ فليتتبّع «كشّاف» الزّمخشريّ؛ فإنّه سيجد فيه ما ليس له ذكر في كتب المعاني والبيان؛ كالقلب؛ فإنّه جعله من مقتضيات الحصر ـ ولعلّه ذكر ذلك عند تفسيره للطّاغوت ـ، وغير ذلك ممّا لا يقتضي المقام بسطه، ومع الإحاطة بصيغ الحصر المذكورة؛ تكثر الأدِلّة الدّالّة على إخلاص التّوحيد وإبطال

<<  <   >  >>