باختياره للقول بالمنع من شدّ الرّحل إلى غير المساجد الثّلاثة؛ بل اختاره غيره من المالكيّة والشّافعيةّ والحنابلة المُعاصرين له ـ رحمه الله تعالى ـ. فإن شئتَ الوقوف على هذا؛ فارجع إلى ما ذكره الشّيخ مرعي في كتابه «الكواكب الدّريّة في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيميّة» ، [وإلى كتاب «القول الجليّ في ترجمة الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة الحنبليّ» ] للإمام صفيّ الدّين الحنفيّ ـ نزيل نابلس ـ، والكتابان مطبوعان بمصر.
وكنتُ عزمتُ على ترك الكلام على ما أورده السّبكيّ في الباب السّابع من الشّبهات والحطّ على أئمّة الدّين الذين نقلوا الخلاف في هذه المسألة، واختاروا القول بالمنع ـ كما تقدّم ـ؛ اتّكالًا على ما ردّ عليه غيري في كتبهم المتقدّم ذكرها، ثم رأيتُ من الواجب عليّ بيان ما ذكره في هذا الباب من الجور والميل عن سبيل العدل، وتغليط الأئمّة والحطّ عليهم بغير حقّ؛ فأقول ـ ومن الله أستمدّ [العون]ـ:
قال المعترض السّبكيّ ـ رحمه الله تعالى ـ:«الباب السّابع: في دفع شُبه الخصم وتتبّع كلماته. وفيه فصلان: الأول: في شُبَهه. وله ثلاث شُبه» ، وأخذ يُبيّن الثّلاث الشّبه، وأطال الكلام في ذلك.
وأنا لا أناقشه إلَّا فيما هو محلّ الفائدة؛ فأقول: قد سلّم المعترض ـ السّبكيّ ـ لشيخ الإسلام: أنّ الحديث دالٌّ على منع السّفر إلى أيّ بقعة من بقاع الأرض غير المساجد الثّلاثة بقصد إيقاع عبادة فيها، وإنّما نازعه في كون شدّ الرّحل إلى زيارته صلى الله عليه وسلم ليس داخلًا في هذا النّهي؛ لأنّه لم يقصد البقعة بعينها؛ وإنّما قصد الذي حلّ فيها!
وأنا أقول: قد علمتَ مما سبق أنّ زيارة القبور مشروعة من غير شدّ رحل ولا سفر ـ كما استُفيد من الحديث الصّحيح ـ، وحيث أنّ السّبكيّ صحّح الاستدلال بهذا الحديث على منع شدّ