للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا الأفهام؛ كما قال مالك الإمام: «أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما أنزل الله ـ تعالى ـ على محمد صلى الله عليه وسلم لجَدله؟!» ، ومعلوم أن هذا الاختلاف هو الذي يوجب الشقاق وتفريق كلمة المسلمين وينشئ العداوة والشحناء والحقد والبغضاء؛ لأنَّ كل أحد يرغب أن يكون رأيه أحسن من رأي غيره.

فإن قلتَ: إنَّ الذين كانوا يناظرون ويناظرون عن أهل المذاهب ما فعلوا ذلك إلا لنصرة الكتاب والسنة؛ فكيف ذمَّهم الإمام حُجّة الإسلام الغزاليّ؟!

فالجواب: ليس ذلك كذلك؛ إنَّما كان قصد كل واحد منهم نصرة إمام مخصوص؛ ولذلك تراهم يردُّون ويتكلفون التآويل البعيدة للنصوص من أجل أنها خالفت قول متبوعهم، وأما لو كان مقصودهم نصرة الحق لما نتصروا لإمام معين؛ بل يدورون مع الدليل حيث دار؛ فإن كان النص وافق أبا حنيفة أو مالكًا أو الشافعي قالوا به ورَدُّوا قول الإمام بالحديث.

فإن قلتَ: إنَّ الأئمة المجتهدين ـ رضي الله عنهم ـ ما خرجوا عن الكتاب والسنة، فالانتصار لهم انتصار للكتاب والسنة.

فالجواب: هذا كلام صحيح، ولكن الإحاطة بأدلة الأحكام لا تثبت لأحد منهم؛ وإنَّما يقال: إنَّ مجموعهم قد أحاط بأدلة الشرع إلا أشياء قليلة جدًّا، وتأمَّل قول مالك ـ رحمه الله تعالى ـ لهارون الرشيد لما أراد أن يحمل الناس على ما في «الموطأ» : «دع الناس وما اختاروا لأنفسهم؛ فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرَّقُوا في الأمصار، وعند كل أحدٍ من العلم ما لا يوجد عند الآخر» ؛ فعُلِمَ بهذا أن كل إمام عنده [علم] في السنة، وقد يوجد عند غيره أكثر منه، وقد يتفاوتون في علم السنة؛ كما يعلمه من تتبع مصنفاتهم؛ فمالك أكثر سنة من أبي حنيفة، والشافعي أكثر من مالك، وأحمد أكثر من الشافعي؛ علمنا ذلك من مسند الإمام أبي حنيفة وموطأ مالك، وكتاب الأم وغيره للشافعي، ومسند الإمام أحمد؛ فإنه أجمع وأعظم من كتب الأئمة المذكورين ـ رضي الله عنهم ـ. والسبب في ذلك أن علم السنة لم يكن مدونًا في عصر الصحابة ولا

<<  <   >  >>