للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت قائمة، فلما تقادم الزّمان وطال الأمد ومات رجال الحديث؛ اختلط الضّعيف بالصّحيح والطّيب بالخبيث والغثّ بالسّمين؛ فقلّ المميز لهذا من هذا؛ فلا تكاد تجد رجلًا يميز بين صحيح وسقيم، اللهم إلا أفرادًا قليلين يعدون على الأصابع؛ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وترى كثيرًا من الناس مشهورًا بالعلم ويشحن مؤلفاته بالأحاديث الواهية والموضوعة، من غير أن ينبّه عليها ويبيّن حالها؛ فهذا ذنب عظيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار» ، وفي رواية: «متعمّدًا» ـ وهذه اللفظة أنكرها الزّبير بين العوام؛ وقال: إنكم تزيدون متعمّدًا؛ وإنِّي والله ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «متعمِّدًا» ـ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن حدَّث عني حديثًا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» ؛ فإذا كان الأمر كما وصفتُ؛ فيجب على كلّ أحد يريد أن يروي حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون عالمًا بصحته حتى يسلم من هذا الوعيد الشديد.

وحيث أن الهمم في هذا الزّمان قد قصرت عن معرفة الصّحيح من السّقيم، وتمييز الطّيب من الخبيث؛ أردتُ أن أذكر لك أنموذجًا لتعرف به طبقات الكتب المصنّفة في الحديث ـ وإن كنتُ أشرتُ إليها فيما سبق ـ؛ لتكون على بصيرة في دينك؛ فأقول ـ وبالله التوفيق ـ:

اعلم ـ رحمك اللهُ تعالى ـ أنّ الكتب المصنّفة في الحديث كثيرة جدًّا، لا تكاد تُحصى عددًا، ولكن أصحّها وأنقاها: الصحيحان للبخاري ومسلم، وموطأ مالك بن أنس، وصحيح أبي

<<  <   >  >>