هو زيارة القبور لتذكّر الآخرة، والدُّعاء والتّرحّم والسّلام على أهلها والاستغفار، من غير سفر ولا شدّ رحل؛ فإن جعلنا هذا الأصل وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم مقاسة على هذا الأصل؛ فلا يُشرع لها السّفر ولا شدّ رحل، كما أنّه لا يشرع ذلك للأصل والفرع تبعًا للأصل؛ فلا يكون الفرع مختصًّا بأشياء على أصله؛ وإلا لاختلّ القياس، والزيارة المُجرّدة عن شدّ الرّحل والسّفر، سواء كان زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره لا ينكرها شيخ الإسلام ابن تيمية؛ بل يستحبّها ويندب إليها ـ كما ذكر ذلك في غير كتاب من كتبه ـ، ولكن منع شدّ الرّحل والسّفر إليها إذا كانت مجرّدة من غير قصد شيء آخر؛ اتباعًا لظاهر الحديث الصحيح المتقدّم، وموافقته لأئمة السلف، وعند التأمّل تجد الخلاف بينه وبين مخالفه يسيرًا جدًّا لا يحتاج إلى تأليف كتاب؛ لأنه يقول هو ومَن تقدّمه بهذا القول: ينبغي لمن شدّ رحله وسافر إلى المدينة المنوّرة ـ على ساكنها أفضل صلاة وأزكى تحيّة ـ أن يقصد بسفره وشدّ رحله الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم إذا أتى إلى المسجد الشّريف صلَّى فيه، ثم انثنى لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه وقبور أهل البقيع وغيرهم، والمسافر لهذا القصد مخيَّر إمّا أن ينوي الزيارة مع الصلاة في المسجد الشريف حال شدّ الرّحل، أو يؤخّرها حتى إذا وصل نواها وفعلها ـ عملًا بالحديث الصحيح الوارد في ذلك، وخروجًا من خلاف العلماء ـ؛ فأي ملامة تلحق هذا الإمام على قوله هذا؟! بل كلّ منصف يعلم أنّ هذا القول هو الأحوط، ولكن هذا السّبكيّ وأضرابه أرادوا أن يوسّعوا الخرق بكثرة القلاقل، ويعظّموا هذا الأمر بشيء لا طائل تحته ولا فائدة فيه إلا التّفرّق
والاختلاف بين المسلمين، حتى أدّى ذلك إلى معاداة وتباغض، وغير ذلك من المفاسد التي لا يحصيها إلا الله ـ عزّ وجلّ ـ، وشنّعوا على هذا الإمام بغير حقّ ـ كما علمتَ ـ. وفي الحقيقة ما شنّعوا عليه فقط؛ بل على أبي هريرة، وبصرة الغفاريّ، والشعبيّ، وابن سيرين،