صرّح به مالك ـ كما تقدّم ـ، ولكن اتّباع الهوى يحمل الإنسان على إنكار الحقّ! فنعوذ بالله من اتّباع الهوى.
فقد علمتَ بما تقدّم من تعريف الإجماع ـ وأنّه:«اتّفاق مجتهدي هذه الأمّة في عصر على حكم شرعيّ» ـ؛ فعُلِمَ بهذا التّعريف: أنّه لو خالف واحد لا يُسمّى إجماعًا؛ فكيف وقد خالف عدد كبير، وقد ذكرنا أسمائهم فيما مضى؟! والذي يظهر ويتّجه: أنّ شيخ الإسلام هو السعيد بدعوى الإجماع لو ادّعاه، وإليه يرشد قول مالك في «المبسوط» حيث يقول: «أكره أن يقول الرجل: زرنا قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم» .
ومن المعلوم أنّ مالكًا من أجلَّاء علماء المدينة، وقبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ فلو كانت هذه التّسمية سائغة ذائعة عند السّلف؛ ما أنكرها مالك؛ فدلّ قول مالك أنّ أهل المدينة لم يعرفوا لفظة زيارة القبر الشّريف؛ وإلَّا لو كانوةا يعرفونها لما جاز لمالك كراهتها.
فإن قلتَ: إنّما كره مالك لفظة: «زرنا قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم» لما فيها من التّحقير؛ فالأولى أن يقولوا: حججنا وقصدنا قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد أوَّل [ما قاله] مالك بهذا التأويل خلقٌ من أتباعه.
فالجواب: أنّ مالكًا أجلّ وأعظم قدرًا من أن يتنزّل إلى مثل هذا؛ لأنّ مثل هذا القول لا يصدر إلّا عن رجل جاهل بالكتاب والسُّنّة ولغة العرب، وحاشا أن يكون مالك جاهلًا بلغة قومه؛ فإنّ لفظة (الزّيارة) استُعْمِلَت بكثرة في القرآن والسُّنّة ولغة العرب؛ [فمما] ورد في السُّنّة: «زيارة المؤمنين ربّهم في الجنّة» ؛ فهل يقول أحد في مثل هذا: لا يُقال ذلك لأنّه يُشعر بالتّحقير، وأنّ الزّائر أفضل من المزور؟! اللهمّ إلَّا أن يكون هذا القائل مُتَفَيقهًا أو مُتَمَعْلِمًا؛ فإنّ العالم بالفقه هو الذي يعرض ما يقوله على الكتاب والسُّنّة ولغة العرب، ومالك أجلّ قدرًا من أن يقصد بقوله هذا المعنى، وكيف يقصد هذا التّأويل المخالف لما عليه عامّة أهل اللّسان العربيّ، وينُكر لفظًا