فالقول الأول: هو الأحوط والأولى، وعليه يدلّ كلام أهل العلم قديمًا وحديثًا، ولا تكاد ترى في كتب العلماء غيره، وإليه أشار السّبكيّ فيما يأتي، وعليه يدلّ الحديث الصحيح ـ وهو:«لا تُشَدُّ الرِّحال ... » الحديث ـ.
وأما القول الثاني: فهو ـ وإن خالف القول الأول بتركه نيّة الصّلاة مع الزّيارة حال شدّ الرّحل ـ؛ لكنّه وافق في فعل ما هو المطلوب؛ فهذا أرجو أن لا بأس به؛ لأنّ المقصود من شدّ الرّحل والسّفر قد حصل ـ وهو الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وزيارة قبره الشّريف ـ، وإن لم ينوِ الصّلاة حال شدّ الرّحل.
وأما القول الثالث: فهذا مخالف لما عليه عامّة المسلمين، وأظنّ لا أحد يقوله، اللهمّ إلَّا مَن غلا في العِناد وترك السُّنّة.
فأمّا القولان الأولان فيقول بهما شيخ الإسلام ابن تيميّة، وعليهما يدلّ كلامه، ويرى أنّ السّفر وشدّ الرّحل على هذين القولَين قُربة.
فإن قلتَ: قد نقل النّاس عنه أنّه كان يفتي بتحريم شدّ الرّحل والسّفر للزّيارة المُجرّدة عن الصّلاة في المسجد الشّريف.
فالجواب: نعم؛ أفتى بذلك، ومقصوده بالتّحريم إذا تمادى المسافر على هذه النّيّة حتى وصل المدينة، وزار قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وانصرف من غير أن يُصَلِّي في مسجده الشّريف ـ كما أشرنا إليه في القول الثالث ـ.
وأمّا لو نوى الزّيارة حال شدّ الرّحل فقط، ولكنّه لما وصل المدينة فعل ما هو المطلوب من الصّلاة في المسجد والزّيارة؛ فهذا لا يحرم السّفر لمثله؛ فهو ـ وإن كان السّفر بهذه النّيّة غير مشروع؛ لأنّ زيارة القبور المُجرّدة عن كلّ قصد سواها لا يشرع؛