للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترك البخاريّ ومسلم حديثًا إلَّا وله علّة قادحة منعتهما عن إخراجه» ؛ فقلتُ له: يا سيدي! قد رُوي عن البخاريّ أنّه قال: «ما تركتُ من الصّحيح أكثر» ، ورُوي عنه أنّه قال: «ألّفتُ كتابي هذا من مائتي ألف حديث صحيح» ، ومعلوم لكلّ من سبر كتابه؛ يعلم أنّه ما يبلغ مِعْشار عُشر هذا. فقال لي: مراده ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله: «ما تركتُ من الصّحيح أكثر» ؛ يعني بذلك: ما إذا كان في الباب عشرة أحاديث ـ مثلًا ـ؛ فإنّه يكتفي بذكر حديث أو حديثين منها، وأمّا أنّه يترك حديثًا صحيحًا هو أصل في الباب ونصّ على حكم شرعيّ، لم يتقدّم له نظير؛ فبعيد جدًّا، ومن تأمّل صنيعَه في «صحيحه» ؛ علم ما قلناه؛ لأنّه كثيرًا ما يذكر الحديث مستدلًّا به على المسألة الثانية، لم يحتج إلى تكرار. فعُلِمَ بذلك أنّ البخاريّ ما ترك حديثًا صحيحًا في كتابه هو أصل إلَّا وذكره؛ فكيف إذا انضمّ له مسلم ومالك وأهل السُّنَن وغيرهم؟! فهل يقول قائل: إنّ هؤلاء كلهم قد أجمعوا على ترك حديث هو أصل في بابه، لم يتقدّم له نظير، حتّى يكتفي به عن ذكر ما تركوه، ويذكروا حديثًا هو تابع لهذا الأصل الذي تركوه؟! كلَّا؛ فوالله ثم والله؛ لو صَحَّ عندهم حديث نصّ في الزّيارة؛ لذكروه عند ذكرهم فضل المدينة وفضل الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يقول السّبكيّ: ما قاله أحد ولا توهّمه ولا اقتضاه كلامه؟!

وهذا الإمام الشّافعيّ في كتاب «الأمّ» لم يذكر بعد الحجّ (الزّيارة) ـ كغيره من المتأخّرين ـ، ومثله سحنون في «المدونة» ؛ فلو كان لفظ (الزّيارة) شائعًا، وأنّه يُقصَد بشدّ الرّحل والسّفر في مسجده صلى الله عليه وسلم إلَّا ناس بعد هذه الطبقة ـ أعني: طبقة البخاريّ ومسلم والشّافعيّ وسحنون وابن القاسم وأهل السُّنَن ـ؛ وذلك لما ظهرت هذه

<<  <   >  >>