العلماء ورثة الأنبياء، وقد قال ـ سبحانه وتعالى ـ:{وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا} ، وقال ـ تعالى ـ:{وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًّا من المجرمين} . والحاصل: أنّ عداوة أهل الجهل للعلماء معروفة، لا ينكرها أحد؛ فلو أقنعوه بالحُجج والبراهين النّقليّة والعقليّة؛ لأرضوا بفعلهم ربّهم والنّاس أجمعين، ولكن من أين لهم علم يقاومون به هذا الطّود العظيم؛ فلما عجزوا عن مناظرته أمام السّلطان في مصر؛ أخذوا يسعون في أذاه، ويُغرون به الملوك والأمراء؛ فكان له في ذلك أجر وعليهم وزر، وعند الله تجتمع الخصوم.
وأمّا كونه مات في السّجن؛ فلا عجب، وكم من إمام حُبس في السّجن حتى مات، وهل أحد أُوذي في الله مثل أهل العلم؟! تأمّل في التّاريخ؛ تجد ما وقع للأئمّة المجتهدين وأهل البيت وغيرهم. فالشّيخ أراد الله ـ تعالى ـ له أن ينظمه في سلك الذين أُوذوا فيه وصبروا؛ ليوفيهم أجرهم بغير حساب.
وأمّا قوله:«ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأسًا، ولم يُظهر لهم جاهًا ولا بأسًا؛ بل ضربت عليهم الذّلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» !
فجوابه أن يُقال: قد ردّ الله ـ تعالى ـ هذا الكلام على قائله. وأمّا أتباع شيخ الإسلام؛ فقد أعلى الله ـ تعالى ـ قدرهم، ورفع ذكرهم، وانقاد النّاس لهم؛ حتى صاروا يهتفون ويترنمون في المجالس بذكرهم، ويفتخرون بالانتساب إليهم، وحقّق الله لهم ما قاله فيهم، وأنجز لهم وعده؛ حيث قال:{وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين} ، وقوله:{فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين} ؛ فكانت العاقبة لهم؛ بأن نشر كتبهم في الآفاق، وانتفع بها الخاصّ والعامّ من كلّ جنس، حتى النّصارى واليهود على اختلاف مللهم؛ فطُبعت في بلادهم، فضلًا عن بلدان أهل الإسلام من كلّ جنس ومذهب، وعكف النّاس عليها قراءة وتدريسًا وكتابة، وتبيّن لهم أنّها هي كتب الدّين الصّحيح، وشواهد الحال تشهد بما قلناه؛ فليخسأ هذا المعترض!