وقوله:«فلهذا [نفي] النّبيّ صلى الله عليه وسلم الإغاثة ـ كما تقدّم ـ» ـ حيث قال: إنّه لا يُستغاث إلَّا بالله ـ؛ فليس النّفي لما ذكره العراقيّ؛ فإنّ المخاطبين يعلمون أنّ الله خالق أفعال العباد؛ وإنّما نفى الاستغاثة عنه حماية للتّوحيد وصيانة لجانبه؛ كما قال لمَن قال له: أنتَ سيّدنا وابن سيّدنا: «السّيد الله. إنّما أنا عبدٌ؛ فقولوا: عبد الله ورسوله» ، ولو كان كما زعم العراقيّ؛ لنفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّ فعل وكلّ قول صدر منه؛ لأنّه لا يفعله استقلالًا؛ قال الله ـ تعالى ـ:{والله خلقكم وما تعملون} . والعراقيّ قد خاض فيما لا يدريه، وما هو أجنبيّ عنه؛ فألحد في الألفاظ النّبويّة وحرّفها، وكابر الحسّ والمعقول، والمنفيّ في الحديث (الاستغاثة) لا (الإغاثة) ، وأظنّ المعترض لا يفرّق بينهما!» .
انتهى ما أردتُ نقله من كلام هذا الفاضل في الكتاب المذكور، وقد آثرتُ نقله بطوله لما فيه من ردّ هذه الشّبهات التي تشاغب بها السّبكيّ وابن حجر المكيّ وداود العراقيّ والنّبهانيّ، وهؤلاء إنّما أخذوا هذه الشّبهات من كلام السّبكيّ، وقد تبيّن دحضها ـ ولله الحمد ـ.
والقول الفصل في هذه المسألة: أنّه مَن تأمّل القرآن الحكيم من أوّله إلى آخره؛ لم يجد فيه آية تدلّ بمنطوقها أو بمفهومها على ما ذهب إليه السّبكيّ وأضرابه من جواز الاستغاثة بالمخلوق الغائب حيًّا كان أو ميّتًا، وطلب الحوائج منه؛ بل كلّ آيات القرآن الواردة في التّوحيد تنهى عن ذلك وتأمر بسؤال الله ـ تعالى ـ وحده، والإقسام عليه بأسمائه وصفاته، وكذا السُّنّة الصّحيحة؛ فإنّها موافقة للقرآن، فإن جاء شيء يخالف القرآن والسُّنّة الصّحيحة؛ فلا يُلتفت إليه؛ لأنّه معارض ومناقض للكتاب والسُّنّة الصّحيحة، والذين جوّزوا الاستغاثة لم يأتوا بشيء يصلح للاستدلال ـ كما علمتَ ـ.