وإيتاء زكاة ـ، يأتون بكلمة التّوحيد، ويحبّون الله، ويحبّون سيد المرسلين، ويتبلغون بالقبول التّامّ ما جاء عنهما من أمور الدّين؟! وغاية الأمر: أنّهم لرهبتهم من ربّهم ومعرفتهم بعلوّ مرتبة نبيّهم وما وعده الله ـ سبحانه ـ من إرضائه في أُمّته ـ كما قال (سبحانه) : {ولسوف يعطيك ربّك فترضى} ـ، ولا يرضى صلى الله عليه وسلم إلَّا بأن يقف لأُمّته في مثل هذه التّوسّلات؛ فينالوا الرّغبات.
وليس في أقوالكم هذه إلَّا تنقّص بحقّ هذا النّبيّ الذي أوجب الله علينا حبّه أكثر من محبّتنا لأنفسنا، وفي مثل ذلك بشاعة في القول وشناعة بطريق الأولى!
فالجواب عنه منهم؛ أن قالوا: أمّا أوّل اعتراضكم وقولكم: «إنّه ليس مقصودهم إلَّا التّوسّل ـ وإن تكلّموا بما يفيد غيره ـ» ؛ فإنّه يدلّ على أنّ الشّرك لا يكون إلَّا اعتقاديًّا، وأنّه لا يكون كفرًا إلَّا إذا طابق الاعتقاد، وهذا يقتضي سدّ أبواب الشّرائع بأسرها، ومحو الأبواب التي ذكرها الفقهاء في الرّدة وزمحقها! كيف وأنّ الله ـ سبحانه ـ يقول:{ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} ، وقال ـ سبحانه ـ:{أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} ، وقد ذكر المفسّرون أنّهم قالوها على جهة المزح؟!
وكذلك العلماء كفّروا بألفاظ سهلة جدًّا، وبأفعال تدلّ على ما هو دون ذلك؟! ولو فتحنا هذا الباب؛ لأمكن لكلّ مَن تكلّم بكلام يُحكم على قائله بالرّدّة أن يقول: لِمَ تحكمون برِدّتي؟! فيذكر احتمالًا ـ ولو بعيدًا ـ يخرج [به] عمّا كفر فيه! ولما احتاج إلى توبة، ولا توجّه عليه لوم أبدًا! ولساغ لكلّ أحد أن يتكلّم بكلّ ما أراد؛ فتُسَدّ الأبواب المتعلّقة بأحكام الألفاظ ـ من: حدّ قذف، وكفارة يمين، وظهار ـ، ولانسدّت أبواب العقود ـ من: نكاح، وطلاق، وغير ذلك من الفسوخ والمعاملات ـ؛ فلا يتعلّق حكم من الأحكام بأيّ لفظ كان إلَّا إذا اعتقد المعنى، وإن أفيد بوضع الألفاظ!