للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

فإن قال قائل: إنّ المتأخّرين تبعوا في العقائد الإمام أبا الحسن الأشعريّ، خصوصًا المالكيّة والشّافعيّة، وأمّا الحنفيّة فهم على طريقة أبي منصور الماتريديّ.

فالجواب: نعم؛ إنّ أبا الحسن الأشعريّ كان على هذه الطّريقة ثم رجع عنها ـ كما أسلفناه ـ، وهذه نبذة من كتابه «الإبانة» ؛ يُستدلّ بها على رجوعه إلى طريق أهل الحديث؛ قال ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب «الموجز والإبانة» ، بعد كلام طويل، ردّ به على المعتزلة الذين أنكروا بعض الصّفات الثّابتة لله ـ سبحانه وتعالى ـ، ونفوا أن يكون لله وجه، مع قوله: {ويبقثى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام} ، وأنكروا أن يكون لله يدان، مع قوله: {لما خلقتُ بيديّ} ، وأنكروا أن يكون له عينان، مع قوله: {تجري بأعيننا} ، وكقوله: {ولتصنع على عيني} ، ونفوا ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «إنّ الله ينزل إلى سماء الدُّنيا ... » إلخ، إلى أن قال: «وجملة قولنا: أن نقرّ بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله، وما رواه الثّقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نردّ من ذلك شيئًا، وأنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ إله واحد أحد فرد صمد، لا إله غيره، لم يتّخذ صاحبة ولا ولدًا، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، والجنّة حقّ» ، إلى أن قال: «وأنّ الله مستوٍ على عرشه؛ كما قال ـ تعالى ـ: {الرّحمن على العرش استوى} ، وأنّ له وجهًا، وأنّ له يدين، وأنّ له عينين» ، إلى أن قال: «ونقول: إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق» ، إلى أن ختم الكتاب. وهو كتاب نفيس جدًّا، غزير العلم، وقد طُبع على ورق جيّد بخط فصيح في البلاد الهنديّة، مع عدّة رسائل. انتهى.

إذا تقرّر ذلك؛ فأقول: إنّ المتأخّرين من أهل الكلام ما وافقوا في عقائدهم هذه أحدًا من أهل السُّنّة والجماعة، لا الصّحابة ولا التّابعين ولا الأئمّة المجتهدين، ولا أهل الحديث ولا غيرهم ممّن يعتدّ بعلمه ويوثق بدينه، ولا أبا الحسن الأشعريّ الذين يدّعون أنّهم منتسبون إليه، وليسوا صادقين؛ لما عُلم من عقيدته، وأنّ قيامهم وتشنيعهم

<<  <   >  >>