ورود الأحاديث الصحيحة بخلافه؛ منها: ما رواه البخاري في صحيحه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «كان يصلي بالليل وعائشة ـ رضي الله عنها ـ معترضة بين يديه، فإذا سجد غمز رجلها لتقبضها» . وما أبعدَ تأويلَ من أوَّله بقوله:«لعله كان بحائل» ! ويَرد هذا التأويل ما جاء في الحديث الصحيح: «أن عائشة فقدت النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فالتمسته حتى وضعت يدها على قدميه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد» ؛ فمضى في صلاته ولم يتوضأ، وحديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم «كان يُقَبِّل بعض نسائه ثم يُصلي ولا يتوضأ» . ومَن قال: إنَّ هذا خصوصية له صلى الله عليه وسلم لا تجوز لغيره؛ قلنا له: إنَّ الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، وأين هو؟!
ومثل قولهم: إنَّ التسمية على الذبيحة سنَّة لا واجبة، مع قوله ـ تعالى ـ:{فكلوا مما ذُكِرَ اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين} ، وفي الأخرى:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} ، مع الأحاديث الصحيحة الدَّالَّة على اشتراط التسمية.
ومثل قولهم: العبرة بالألفاظ لا بالمقاصد، مع قوله صلى الله عليه وسلم:«إنَّما الأعمال بالنيات وإنَّما لكل امرئ ما نوى» ... إلى غير ذلك.
وبالجملة: ففي كل مذهب ما هو موافق وما هو مخالف؛ فعلى العاقل المنصف الذي يعلم قدر عظمة الله ـ تعالى ـ وقدر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يُقَدِّمَ قول أحد من الناس كائنًا مَن كان على قول الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو اتِّباع الأئمة لا غير؛ فإنهم ـ رضي الله تعالى عنهم ـ قد أمَرُوا بذلك، ونَهوا عن تقليدهم بالوصف الذي ذكرنا سابقًا؛ يعلم ذلك كل مَن قرأ كتبهم وتأمَّلها.
ولنا ـ إن شاء الله تعالى ـ عودة ثم عودة إلى هذه المباحث؛ لأنَّها هي المقصودة بالذات، وأما الزيارة فلا يخالف في مشروعيتها أحدٌ فيما علمنا.