على مجيئهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفارهم الله ـ تعالى ـ واستغفار الرسول لهم؛ فإن لم يحصل منهم ذلك لم تحصل توبة الله عليهم، وهذا صحيح؛ كما تقول ممثلًا لذلك:«لو جاءني لأكرمته» ؛ فامتنع إكرامك له لامتناع مجيئك إليك. وعلى تفسير السبكي ومن وافقه من أن الآية حكمها مستمر؛ فكما أن مجيء من ظلم نفسه إليه صلى الله عليه وسلم في حياته واستغفاره عنده واستغفار الرسول له شرط لقبول توبته؛ فهو شرط أيضًا في قبول توبة من ظلم نفسه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ فلا بد من مجيئه إلى قبره صلى الله عليه وسلم واستغفاره عنده واستغفار الرسول له. ولا يخفى ما في هذا من المناقضة لكتاب الله ـ تعالى ـ وسنَّة نبيه وما عليه المسلمون:
فأما وجه مناقضته للقرآن العزيز؛ فإن الله يقول:{ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} ، وقوله ـ تعالى ـ:{وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} ، وغير ذلك من الآيات المتضمنة لحصول توبة الله ـ تعالى ـ على عبده إذا استغفره وأناب إليه وأقلع عن ذنبه، ولم يشترط لقبول ذلك مجيئه عند قبره صلى الله عليه وسلم وتوبته عنده، ولو كان قبول التوبة متوقفًا على هذا؛ لكان فيه من العسر والشدَّة ما لا يحتمله إلا القليل من الناس، ولكان مخالفًا لما جاءت به الشريعة السمحة السهلة، العارية عن الإصر والعسر والشدة، وإذا لم يكن ذلك كذلك؛ وجب حمل الآية على ما فسَّر به السلف ـ كما مرَّ ـ، وعدم الالتفات إلى ما قاله السبكي وأضرابه، وأنهم لا دليل لهم في الآية على استحباب السفر وشد الرحل لمجرد زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من غير قصد الصلاة في مسجده كما ذهبوا إليه. وبالله التوفيق.