للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورغم أن البقاعي ذو عناية بالدقائق والسياقات، إلا أن ذلك لم يمنعه من الحمل على التفنن، حيث قال: ولما أُعيدت القصة في سورة يونس عليه السلام، كان الأليق بكلام البلغاء والأشبه بطرائق الفصحاء التفنن في العبارة (١).

وكذلك أبو السعود، وقد نقل عن أبي علي أنه إذا ذكرت صفات للمدح وخولف في بعض الإعراب فقد خولف للافتنان، أي: للتفنن الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجِدّ في الإصغاء، فإن تغير الكلام المسوق لمعنى من المعاني وصَرْفَه من سننه المسلوك ينبئ عن إهتمامٍ جديدٍ بشأنه من المتكلم، ويستجلبُ مزيدَ رغبةٍ فيه من المخاطب (٢).

وممن اعتنى بالتفنن وتوسع في مفهومه، واستكثر من الحمل عليه: ابن عاشور، وقد تقدم تعريفه له، أما تتبع مواضعه عنده مما لا يتسع له المقام، إلا أننا نقف على لمحات تجلى لنا شيئًا من ملامح مذهبه فيه، فمن ذلك أنه ضعّف به القول بأن البسملة آيةُ من كل سورة، لأنه ينشأ من هذا القول أن تكون فواتح سور القرآن متماثلة، وذلك مما لا يحمد في كلام البلغاء، إذ الشأن أن يقع التفنن في الفواتح، بل قد عدَّ علماء البلاغة أهم مواضع التأنق فاتحة الكلام وخاتمته، وكذلك توالي تشبيهي المنافقين في سورة البقرة (الآيات ١٧ - ١٩) مما جاء على طريقة بلغاء العرب في التفنن في التشبيه قال: «وهذه تفننات جميلة في الكلام البليغ، فما ظنك بها إذا وقعت في التشبيه التمثيلي، فإنه لعزته مفردًا تعز استطاعة تكريره»}}} (٣)، من خلال هذا العرض الموجز نجد أن جمهور المفسرين البلاغيين يقول بالتفنن، ولا يقرون بتلازم القول بالتفنن وإسقاط النكتة المعنوية.


(١) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: ٨٨٥ هـ)، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، القاهرة (٧/ ٤٣٢).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بتفسير أبي السعود، أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: ٩٨٢ هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت (١/ ٢٩).
(٣) التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: ١٣٩٣ هـ)، الناشر: الدار التونسية للنشر - تونس، سنة النشر: ١٩٨٤ هـ (١/ ٣١٦)، ويُنظر: حمل المتشابه على التفنن: تفسير الألوسي أنموذجا، (ص: ٢٦٢ - ٢٦٨). باختصار

<<  <   >  >>