للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذا لا ينبغي الاعتماد على التفنن في التعبير وحده في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم.

يقول د/ محمد الصامل عند توجيهه للتقديم والتأخير بين آيتي المتشابه اللفظي في سورة البقرة (تقديم العدل على الشفاعة والعكس): «وقد عزا بعضهم هذا الاختلاف إلى التنويع في الأسلوب، أو ما يُسمى: التفنن في الكلام، وهذا سبب أراه لا يستقل بنفسه، لأن التنويع في الأسلوب أو التفنن فيه، إنما يُلجأ إليه لإذهاب السأم والملل عن القارئ، وحاشا أن يصف أحد القرآن بذلك، فلابد من سبب يكون أصلًا، ويمكن أن يأتي التنويع سببًا آخر متفرعًا» (١).

ويقول د/ محمد نصيف: «فالمعتني بالمتشابه اللفظي الموجه لآياته لا ينكر التنوع والتفنن في الخطاب لكنه مع ذلك يلتمس وجوهًا أخرى لسر التغاير بين الآيات، ولعل الذي دفع الإمام الألوسي لتبني هذا الرأي - وهو القول بالتفنن - وكأنه في مقابل توجيه الآيات التي سار عليه الرازي أنه خشي من التكلف الذي يقع أحيانًا عند محاولة التعليل، ولعل القول الوسط في المسألة أن يقال: تنوعت وتغايرت الآيات القرآنية المتحدثة عن أمر واحد تفننًا في التعبير، مع وجود أسرار أخرى للتغاير قد تظهر لنا فنقول بها، وقد تخفي علينا فلا تكلف في القول فيها بغير علم» (٢).

وقد ذكر الإمام الألوسي التفنن في التعبير في توجيه حوالي خمسة وعشرين مسألة من مسائل المتشابه اللفظي التي تناولها، ذكر التفنن في أخر التوجيه بعد ذكر أسباب أخرى أحيانًا، وجعل التفنن في التعبير عمدة في التوجيه في بعضها.

مثال ذلك: بعد تناول الإمام الألوسي للفروق بين آيتي الأمر بدخول القرية في سورتي البقرة والأعراف، وتعقب آراء الإمام الرازي، وترجيح آراء الزمخشري، قال في آخر التوجيه: «وبالجملة التفنن في التعبير لم يزل دأب البلغاء، وفيه من الدلالة على رفعة شأن المتكلم ما لا يخفى، والقرآن الكريم مملوء من ذلك، ومن رام بيان سر لكل ما وقع فيه منه فقد رام ما لا سبيل إليه إلا


(١) من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم (ص: ١٨٦) من خلال الآيتان: (٤٨، ١٢٣) في سورة البقرة.
(٢) تعقبات الألوسي على توجيهات الرازي للمتشابه اللفظي في آيات الأمر بدخول القرية، د/ محمد نصيف، مجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية، العدد الخامس عشر، (ص: ٢١٨).

<<  <   >  >>