للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آخَرِينَ} (١) فأمروا باستقراء الديار، وتأمل الآثار، وفيها كثرة، فيقع ذلك سيرًا بعد سير، وزمانًا بعد زمان، فخصت ب (ثم) الدالة على التراخي بين الفعلين؛ ليعلم أن السير مأمور به على حدة، ولم يتقدم في سائر السور مثله؛ فخصت بالفاء الدالة على التعقيب» (٢).

وقال الإمام ابن جماعة: «قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُنظروا}، وفى موضع آخر: بالفاء وقال هنا: {عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} وفى النمل {عَاقِبَةُ الْمُجرمين} جوابه: أن آية الأنعام ظاهرة في الأمر بالسير في بلاد المهلكين فناسب ثم المرتبة على السير المأمور به. وفى المواضع الأخر: الأمر بالنظر بعد السير المتقدم كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ}، فناسب أن يأتي بالفاء كأنه قيل: قد ساروا فلينظروا، أو قد ساروا فنظروا عند سيرهم. ولما تقدم هنا قوله تعالى {: فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} ناسب قوله: {عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} ولم يتقدم مثله في النمل» (٣).

وقال الإمام الأنصاري: «قوله تعالى: {قُلْ سيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ يُنظروا} .. الآية. قاله هنا بـ"ثمَّ "الدَّالة على التراخي، وفي غير هذه السورة بالفاء، الدَّالة على التعقيب، مع اشتراكهما في الأمر بالسير، لأن ما في هذه السورة، وقع بعد ذكر القرون، في قوله: {كَمْ أهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ}، وقوله: {وَأنْشَاْنَا مِنْ بَعْدِهمْ قَرْناً آخَرِينَ}، فتعدَّدت القرونُ في أزمنةٍ متطاولة، فخُصَّت الآيةُ هنا بـ"ثُمَّ "، بخلاف ما في غير هذه السورة، إذْ لم يتقدَّمه شيءٌ من ذلك، فخُصَّت بالفاء» (٤).

بعرض آراء الأئمة (الكرماني، ابن جماعة، الأنصاري) يتضح اتفاق الإمام الألوسي معهم في التوجيه.


(١) سورة الأنعام، الآية: (٦).
(٢) البرهان في توجيه متشابه القرآن، (ص: ٤٧ - ٤٨).
(٣) كشف المعاني في المتشابه من المثاني (ص: ١٥٦).
(٤) فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن (ص: ١٦٠).

<<  <   >  >>