للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام الرازي: «فإن قيل: فما السبب في أن جعل خاتمة الآية الأولى بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وخاتمة هذه الآية بقوله: لعلكم تذكرون قلنا: لأن التكاليف الخمسة المذكورة في الأولى أمور ظاهرة جلية فوجب تعقلها وتفهمها وأما التكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية فأمور خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والفكر حتى يقف على موضع الاعتدال فلهذا السبب قال: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}» (١).

وقال الإمام الألوسي: «وختمت الآية الأولى بقوله سبحانه: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وهذه بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}؛ لأن القوم كانوا مستمرين على الشرك وقتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس المحرمة بغير حق غير مستنكفين ولا عاقلين قبحها فنهاهم سبحانه لعلهم يعقلون قبحها فيستنكفوا عنها ويتركوها. وأما حفظ أموال اليتامى عليهم وإيفاء الكيل والعدل في القول والوفاء بالعهد فكانوا يفعلونه ويفتخرون بالاتصاف به فأمرهم الله تعالى بذلك لعلهم يذكرون إن عرض لهم نسيان؛ قاله القطب الرازي، ثم قال فإن قلت إحسان الوالدين من قبيل الثاني أيضاً فكيف ذكر من الأول؟ قلت: أعظم النعم على الإنسان نعمة الله تعالى ويتلوها نعمة الوالدين لأنهما المؤثران في الظاهر ومنهما نعمة التربية والحفظ عن الهلاك في وقت الصغر فلما نهى عن الكفر بالله تعالى نهى بعده عن الكفران في نعمة الأبوين تنبيهاً على أن القوم لما لم يرتكبوا الكفران فبطريق الأولى أن لا يرتكبوا الكفر. وقال الإمام: السبب في ختم كل آية بما ختمت «أن التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى (أمور) ظاهرة جلية فوجب تعقلها وتفهمها والتكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية أمور خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والفكر الكثير حتى يقف على موضع الاعتدال وهو التذكر. انتهى» (٢).

بعرض رأي الإمامين يتضح أن الإمام الألوسي قد نقل رأي الإمام الرازي بقوله (قال الإمام)، ونقل رأيًا آخر نسبه (للقطب الرازي).


(١) التفسير الكبير، (١٣/ ٢٤٨).
(٢) روح المعاني، (٤/ ٢٩٩).

<<  <   >  >>