للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقدموا على المعاصي فهناك وصفهم بالوجل، وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة، سكنت قلوبهم إلى ذلك، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر، لأن الوجل هو بذكر العقاب والطمأنينة بذكر الثواب، ويوجد الوجل في حال فكرهم في المعاصي، وتوجد الطمأنينة عند اشتغالهم بالطاعات. الثاني: أن المراد أن علمهم بكون القرآن معجزا يوجب حصول الطمأنينة لهم في كون محمد صلى الله عليه وسلم نبيا حقا من عند الله. أما شكهم في أنهم أتوا بالطاعات على سبيل التمام والكمال فيوجب حصول الوجل في قلوبهم. الثالث: أنه حصلت في قلوبهم الطمأنينة في أن الله تعالى صادق في وعده ووعيده، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق في كل ما أخبر عنه، إلا أنه حصل الوجل والخوف في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعة الموجبة للثواب أم لا، وهل احترزوا عن المعصية الموجبة للعقاب أم لا» (١).

وقال الإمام الألوسي: «أي إنما المؤمنون الكاملون في الايمان المخلصون فيه {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (٢) أي فزعت استعظاماً لشأنه الجليل وتهيباً منه جل وعلا والاطمئنان المذكور في قوله سبحانه وتعالى: {أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} (٣) لا ينافي الوجل والخوف لأنه عبارة عن ثلج الفؤاد وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد وهو يجامع الخوف، وإلى هذا ذهب ابن الخازن، ووفق بعضهم بين الآيتين بأن الذكر في إحداهما ذكر رحمة وفي الأخرى ذكر عقوبة فلا منافاة بينهما» (٤).

بعرض رأي الإمامين يتضح أنهما اتفقا معًا في توجيه المتشابه وأنه لا منافاة بين الآيتين، وقد نقل الإمام الألوسي نص كلام الإمام الرازي: «والاطمئنان المذكور في قوله سبحانه وتعالى: {أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} (٥) لا ينافي الوجل والخوف لأنه عبارة عن ثلج الفؤاد وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد»، ونسبه إلى (ابن الخازن).


(١) التفسير الكبير، (١٩/ ٥٠، ٥١).
(٢) سورة الأنفال، الآية: (٢).
(٣) سورة الرعد، الآية: (٢٨).
(٤) روح المعاني، (٥/ ٨٤).
(٥) سورة الرعد، الآية: (٢٨).

<<  <   >  >>