للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوجه اختصاص التوكيد عنده بذلك الموضع أنهم ادعوا الاختصاص دون الناس في الموضعين، وزادوا هنالك أنه أمر مكشوف لا شبه فيه محققة عند الله فناسب أن يؤكد ما ينفيه» (١).

بعرض رأي الإمامين يتضح أن الإمام الرازي قال أن (لن) أقوى الألفاظ النافية، وأن لفظ (لا) ليس في نهاية القوة في إفادة النفي، بينما ذهب الإمام الألوسي إلى أن التغاير بين (لن) و (لا) للتفنن وأن كلًا من (لا) و (لن) لنفي المستقبل من غير تأكيد، كما نقل الإمام الألوسي الرأي الآخر أن (لن) تفيد التأكيد وعلق عليه.

وقد ذهب كلًا من الأئمة (الإسكافي - وابن الزبير - والزمخشري - والقاسمي) إلى ما ذهب إليه الإمام الرزاي أن لفظ (لن) (أقوى في الدلالة على النفي)، واتفقوا معه في التوجيه (٢).

وللعلامة السبكي (٣) توجيه قوي حيث قال: «قوله تعالى: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} وفي البقرة {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} ما نصه: تكلم فيه السهيلي بناء على أن كلمة {لا} أبلغ.

وصاحب درة التنزيل بناء على أن {لن} أبلغ.

وأنا أقول إن {لن} أبلغ في حقيقة النفي والمبالغة فيه أول زمان النفي، و {لا} أبلغ في الطرف الآخر وهو المستقبل مع اشتراكهما فيه.

وورد التأبيد فيهما، وإذا عرف ذلك في سورة البقرة قال: {قُلْ إنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ} وهذا الشرط وصلة واحدة وهي نهاية مراد المؤمن، وجزاؤها الأمر بتمني الموت لذلك، لأنه إذا كانت نهاية المراد قد حصلت فلا مانع من تمني الموت الموصل إلى الدار الآخرة الخالصة التي ثبت حصولها لهم على هذا التقدير، فحسن بعده {لن} لأنها


(١) روح المعاني، (١٤/ ٢٩١).
(٢) يُنظر المسألة في كتبهم: درة التنزيل (١/ ٢٦٦ - ٢٦٩)، ملاك التأويل (١/ ٢٢٧ - ٢٢٨)، تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل لمحمد القاسمي، وقف على طبعه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى، (ص: ١٩٥ - ١٩٦)، تفسير الكشاف للزمخشري، اعتنى به خليل فؤاد شيخا، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة (ص: ١١٠٦).
(٣) هو الإمام العلامة الحافظ الفقيه، النظار، الورع الزاهد قاضي القضاة تقي الدين أبو حسن على بن عبد الكافي السبكي الكبير ولد بسُبك أحد قرى المنوفية بمصر سنة ٦٨٣ هـ. يُنظر ترجمته في: البداية والنهاية (١٤/ ٣٠٣، ٣١٩، ٣٣٠)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٩/ ١٤٢، ٢٧٦).

<<  <   >  >>