للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاطعة بالنفي الآن المضاد للشرط الذي قدر حصوله الآن، فالمقصود تحقيق النفي الآن وتأكيده، وإن امتد في المستقبل، ولذلك قرن بالتأبيد، فحصل تأكيدان أحدهما في الطرف الأول بلن والثاني في الطرف الآخر بالتأبيد.

وفي سورة الجمعة قال: {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ}، فجعل الشرط أمرا مستقبلا قد يقع الزعم منهم غدا أو بعد غد.

ورتب عليه الأمر بتمني الموت، لأنه يلزم من كونهم أولياء حصول الدار الآخرة لهم، وإن لم يدل عليها مطابقة كالآية الأولى فجاء الانتفاء للتمني المستقبل التي متى وقع الزعم علم انتفاء التمني، فكان التأكيد فيه في الطرف الآخر فقط، وكذلك صرح بالتأبيد، ولم يؤت بصيغة {لن} فإن قلت فمن أين لك هذا الفرق بين {لن} و {لا} ولم يذكره النحاة وغاية ما ذكره بعضهم الاختلاف في أن {لن} أوسع أو {لا} أوسع وفي أن {لا} تختص بالمستقبل أو تحتمل الحال والاستقبال، وهذا الذي قلته أنت من أن كلا منهما أبلغ من وجه لم يذكره أحد.

قلت: وإن لم يذكروه فإنهم لم ينفوه ويؤخذ من استقراء مواردها.

قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}، {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْك الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، {إنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا}، {لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا}، {فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا أَبَدًا}، {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إلَّا أَذًى}، {لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا}، {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّك حَتَّى تُنَزِّلَ}، {وَلَنْ تُفْلِحُوا إذًا أَبَدًا}، {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ}، {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}، وغير ذلك من الآيات.

فيُنظر موارد هذه الآيات وقوة تحقيق النفي في الحال فيها، وفي بعضها التأبيد لإرادة تقوية الطرفين وفي قوله: {إذا أبدا} المقصود تحقيق النفي من ذلك الوقت إلى الأبد إن تأخر عن وقت الخطاب فالتأبيد من ابتداء زمانه إلى الأبد ولذلك احترزت في أول كلامي فلم أقل من الآن وأما {لا} فقال تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}؛ لأن القصد نفي علمهم في المستقبل.

فلا يحسن هنا.

<<  <   >  >>