للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} ليس المقصود المبالغة في تأكيد النفي لأنه معلوم وقول موسى عليه السلام {لا أبرح حتى أبلغ} أي لا أبرح مسافرا ولعله قال قبل السفر فليس كقول أخي يوسف {فلن أبرح الأرض} {وإذا لا يلبسون خلافك إلا قليلا} لما كان المستثنى الزمان الأول جاز {لا} والمستثنى في {لن يضروكم إلا أذى} الفعل فكان {لن} مع تحقيق النفي في أول الأزمنة ويُنظر كيف وقع التعادل بين {لن} و {لا} اشتركا في نفي المستقبل واختصت {لا} بنفي الحال والماضي واختصت لن بقوة النفي من ابتداء المستقبل وكذلك جاءت في قوله: {لن تراني} لأن المقصود قوة نفي رؤيته ذلك الوقت في الدنيا، ولم يجئ فيها التأبيد فلا صريح في دلالتهما على النفي في الآخرة ودلالة {لن} على النفي في أول أزمنة الاستقبال أقوى من دلالة {لا} ودلالة {لا} على استغراق الأزمنة المستقبلة أقوى من دلالة {لن} لما في {لا} من المد المناسب للمستقبل، فلذلك نقول: {لا} أوسع و {لن} أقوى وسعة لا في الظرف من المستقبل ويمده ما قبله إلى أول أزمنة الاستقبال، وقد تستعمل في الحال، وفي الماضي فصارت لجميع الأزمنة؛ و {لن} لا تصلح إلا للمستقبل وهي باقية في أوله، فظاهر لن باقية والمعادلة بين الحرفين من حكمة لسان العرب. والله أعلم. انتهى» (١).

٢ - اختلف الإمامان في توجيه الفرق بين إبدال حرف إلى (إلى الحق) بحرف اللام (للحق) في قوله تعالى {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (٢).

حيث قال الإمام الرازي: «المسألة الثانية: قال الزجاج: يقال هديت إلى الحق، وهديت للحق بمعنى واحد، والله تعالى ذكر هاتين اللغتين في قوله: {قُلِ الله يَهْدِى لِلْحَقّ أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الحق {» (٣).

وقال الإمام الألوسي: «وقد جمع هنا بين صلتيه إلى واللام تفننا وإشارة بإلى إلى معنى الانتهاء وباللام للدلالة على أن المنتهى غاية للهداية وأنها لم تتوجه إليه على سبيل الاتفاق بل


(١) فتاوى السبكي في فروع الفقه الشافعي للإمام تقي الدين السبكي، اعتنى به: محمد عبد السلام شاهين، الجزء الأول، دار الكاب العلمية، بيروت (١/ ١١٩ - ١٢١).
(٢) سورة يونس، الآية: (٣٥).
(٣) التفسير الكبير، (١٧/ ٩٥).

<<  <   >  >>