للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بألسنتهم وهو أمر وراء تكلم الألسنة أنفسها وشهادتها بأن يجعل فيها علم وإرادة وقدرة على التكلم فتتكلم هي وتشهد بما تشهد وأصحابها مختوم على أفواههم لا يتكلمون.

ومنه يعلم أن آية النور ليس فيها ما هو نص في عدم الختم على الأفواه، نعم الظاهر هناك أن لا ختم وهنا أن لا شهادة من الألسنة، وعلى هذا الظاهر يجوز أن يكون المحدث عنه في الآيتين واحداً بأن يختم على أفواههم وتنطق أيديهم وأرجلهم أولاً ثم يرفع الختم وتشهد ألسنتهم إما مع تجدد ما يكون من الأيدي والأرجل أو مع عدمه والاكتفاء بما كان قبل منهما وذلك إما في مقام واحد من مقامات يوم القيامة أو في مقامين، وليس في كل من الآيتين ما يدل على الحصر ونفي شهادة غير ما ذكر من الأعضاء فلا منافاة بينهما وبين قوله تعالى: {حتى إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبصارهم وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١) فيجوز أن يكون هناك شهادة السمع والإبصار والألسنة والأيدي والأرجل وسائر الأعضاء كما يشعر بهذا ظاهر قوله تعالى والجلود في آية السجدة لكن لم يذكر بعض من ذلك في بعض من الآيات اكتفاء بذكره في البعض الآخر منها أو دلالته عليه بوجه، ويجوز أن يكون المحدث عنه في كل طائفة من الناس، وقد جعل بعضهم المحدث عنه في آية السجدة قوم ثمود، وحمل أعداء الله عليهم بقوله تعالى بعد {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس} (٢) ولا يبعد أن يكون المحدث عنه في آية النور أصحاب الإفك من المنافقين والذين يرمون المحصنات ثم إن آية السجدة ظاهرة في أن الشهادة عند المجاء إلى النار وآية النور ليس فيها ما يدل على ذلك، وأما هذه الآية فيشعر كلام البعض بأن الختم والشهادة فيها بعد خطاب المحدث عنهم بقوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} (٣) فيكون ذلك عند المجاء إلى النار أيضاً، قال في إرشاد العقل السليم: إن قوله تعالى: {اليوم نَخْتِمُ} الخ التفات إلى الغيبة للإيذان بأن ذكر أحوالهم القبيحة استدعى أن يعرض عنهم وتحكي أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الإيماء إلى أن ذلك من مقتضيات الختم لأن الخطاب لتلقي الجواب وقد انقطع بالكلية، لكن قال في


(١) سورة فصلت، الآية: (٢٠).
(٢) سورة فصلت، الآية: (٢٥).
(٣) سورة يس، الآيتان: (٦٣، ٦٤).

<<  <   >  >>