للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

*في حين أجد أن الإسكافي فرق بين الموضعين، حيث قال: «قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (١)، وقال في سورة الصف: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (٢).

للسائل أن يسأل فيقول: قال تعالى في الآية الأولى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}، وقال في الثانية {لِيُطْفِئُوا} فما الذي أوجب اختصاص الأولى بما اختصت به؟، والثانية باللام دون أن تكون مثل الأولى بـ أن وهي الأصل في تعدي الإرادة إليه؟

والجواب أن يقال: إن الإرادة في الآية الأولى تعلقت بإطفاء نور الله بأفواههم، وإطفاء نور الله إنما يكون بما حاولوا من دفع الحق بالباطل فالحق يسمى نورا، لأن حججه وبراهينه تضيء لطالبه بها إليه، والباطل هو قوله بأفواههم، وهو ما أخبر الله تعالى به قبل عن اليهود والنصارى فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} (٣) أي: هو قول لا حقيقة له، ولا محصول له، وبمثله لا يدفع الحق وبالأفواه لا يطفأ هذا النور كما يطفأ السراج؛ لأن هذا النور وإن أشبهه في أنه يهدي ويبين الحق من الباطل، فهو بخلافه في الامتناع من الإطفاء كما يتهيأ ذلك في السراج.

والنور يجوز أن يكون الآية المنيرة والحجة الساطعة ويجوز أن يكون المراد به القرآن، ويجوز أن يكون المراد به النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (٤).

فالسراج المنير يسمى نورا، وكل واحد من الثلاثة إذا دفعوه جاز أن يقال: حاولوا إطفاءه والخبر عن اليهود والنصارى الذين قال فيهم عز وجل: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} (٥) أي: يشاكلون بإثباتهم لله بنا وشريكا قول من أثبت مع الله آلهة: {وَمَا


(١) سورة التوبة، الآية: (٣٢).
(٢) سورة الصف، الآية: (٨).
(٣) سورة التوبة، الآية: (٣٠).
(٤) سورة الأحزاب، الآيتان: (٤٥ - ٤٦).
(٥) سورة التوبة، الآية: (٣٠).

<<  <   >  >>