للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذهب أيضًا ابن الزبير إلى رأى الإسكافي، قال: «قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (١)، وفى سورة بنى إسرائيل (الإسراء): {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (٢)، ففى الأولى "من إملاق" و"نرزقكم" بتقديم ضمير المخاطبين فللسائل أن يسأل عن وجه هذا الاختلاف فى الآيتين مع اتحاد المقصد فيهما؟

والجواب عن ذلك: والله أعلم أن المخاطبين بآية الأنعام إنما كان فعلهم ذلك من أجل الفقر الحاصل حين فعلهم ذلك، فقيل من إملاق أى من أجل الاملاق الحاصل، ثم قيل لهم "نحن نرزقكم وإياهم" فقدم رزقه تعالى لهم لحصول فقرهم فى الحال ليكون أمنع لهم، وكأن السياق يشعر بتشفيع الأولاد فى رفع فقر الآباء القاتلين فكأن قد قيل لهم: إنما ترزقون بهم فلا تقتلوهم، فتأكد تقديم ضمير الآباء لهذا الغرض.

*وأما الآية الآخرى فقصد بها كفار العرب، وكأن وأدهم البنات خشية الفقر المتوقع والعجز عن مؤنتهن فيما يتوقعونه مستقبلا فقيل "خشية إملاق" فجعلت الخشية هى العلة فى فعلهم، فانتصبت على ذلك، والمعلول الذي هو الإملاق لم يقع بعد وضمن تعالى لهم رزقهم ورزق أولادهم ودفع ذلك المتوقع ليرفع ذلك خشيتهم، فلهذا قدم هنا ضمير الأولاد ثم عطف عليه ضمير الآباء. وكان الأهم هنا فقدم، وجاء كل فى الموضعين على ما يجب ويناسب، والله أعلم» (٣).


(١) سورة الأنعام، الآية: (١٥١).
(٢) سورة الإسراء، الآية: (٣١).
(٣) ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد لابن الزبير الثقفي تحقيق: سعيد الفلاح، (١/ ٤٧٨ - ٤٨٠).

<<  <   >  >>