للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكى الله تعالى عنهم أنه قولهم بأفواههم، أي: يريدون أن يدفعوا الحق بالباطل من أفواههم، وهذا واضح» (١).

مثال آخر: قال في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (٢): «فأوجب بعد رعاية حقوق الأبوين رعاية حقوق الأولاد وقوله {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} أي من خوف الفقر أي من ذكر الخوف وقد صرح بذكر الخوف في قوله {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (٣) والمراد منه النهي عن الوأد، إذ كانوا يدفنون البنات أحياء، بعضهم للغيرة، وبعضهم خوف الفقر، وهو السبب الغالب» (٤).

*فالإمام الرازي جعل موضعي المتشابه (من إملاق - خشية إملاق) بمعنى واحد وهو خوف الفقر دون أن يفصل ويبين الفرق بين الموضعين.

*في حين نرى أن الإمام الإسكافي في درة التنزيل بيّن الفرق بين الموضعين حيث قال: «فأما قوله في سورة الأنعام: (نحن نرزقكم وإياهم) فلأن قبله (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) أي: من أجل إملاق وانقطاع مال وزاد، وهذا نهي عن قتلهم مع فقرهم وخوفهم على أنفسهم إذا لزمتهم مؤونة غيرهم، فكأنه قال: الذي يدعوكم إليه من حالكم في أنفسكم ثم في غيركم يجب أن تشفقوا منه فإني أرزقكم وإياهم.

وأما الآية التانية فإنه قال فيها: {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} والإملاق غير واقع، فكأنه قال: خوف الفقر على الأولاد، وكان عقب هذا إزالة الخوف عنهم، ثم عن القائلين، أي لا تقتلوهم لما تخشون عليهم من الفقر، فالله يرزقهم وإياكم، فقدم في كل موضع من الموضعين ما اقتضى تقديمه، وأخر ما اقتضى الموضع تأخيره. والله أعلم» (٥).


(١) درة التنزيل وغرة التأويل، (٢/ ٧٠٤ - ٧٠٩).
(٢) سورة الأنعام، الآية: (١٥١).
(٣) سورة الإسراء، الآية: (٣١).
(٤) التفسير الكبير، (١٣/ ٢٤٥).
(٥) درة التنزيل وغرة التأويل، (٢/ ٥٦١ - ٥٦٣).

<<  <   >  >>