للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يختص وجوده بوجوده، لأن من يدخل بستانا قد يأكل منه وإن كان مجتازا، فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجواب بالابتداء وجب العطف بالواو دون الفاء، وعلى هذا قوله تعالى في الآية التي بدأت بذكرها {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} (١)، وبقي أن أبين المراد بالفاء في قوله تعالى {فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} (٢) مع عطفه على قوله {اسْكُنْ} وهو أن اسكن يقال لمن دخل مكانا، فيراد به: الزم المكان الذي دخلته ولا تنتقل منه، ويقال أيضا لمن لم يدخله اسكن هذا المكان، يعني ادخله واسكنه، كما تقول لمن تعرض عليه دارا ينزلها سكنى فتقول: اسكن هذه الدار فاصنع فيها ما شئت من الصناعات، معناه: ادخلها ساكنا لها فافعل فيها كذا وكذا، فعلى هذا الوجه قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا .. } بالفاء فالحمل على هذا المعنى في هذه الآية أولى، عز من قائل وجل قال لإبليس: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} (٣) فكأنه قال لآدم: اسكن أنت وزوجك الجنة، أي: ادخل، فيقال: اسكن، يعني ادخل ساكنا، ليوافق الدخول الخروج، ويكون أحد الخطابين لهما قبل الدخول، والآخر بعده، مبالغة في الإعذار، وتأكيد للإنذار وتحققا لمعنى قوله: عز وجل {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (٤).

من خلال عرض رأى الإمامين الجليلين يتضح أن الإمام الرازي قد نقل من الإمام الإسكافي دون أن يشير إلى ذلك.

لكن الإمام الرازي قد ذكر توجيهًا آخر عند تفسيره لسورة الأعراف (الموضع الثاني للمتشابه) حيث يقول: «وهو أنه تعالى قال في سورة البقرة (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا) بالواو، وقال ههنا (فَكُلَا) بالفاء فما السبب فيه؟، وجوابه من وجهين: الأول: أن الواو تفيد الجمع المطلق، والفاء تفيد الجمع على سبيل التعقيب، فالمفهوم من الفاء نوع داخل المفهوم من الواو، ولا منافاة بين النوع والجنس، ففي سورة البقرة ذكر الجنس، وفي سورة الأعراف ذكر النوع» (٥).


(١) سورة البقرة، الآية: (٣٥).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (١٩).
(٣) سورة الأعراف، الآية: (١٨).
(٤) سورة البقرة، الآية: (٣٥). ويُنظر: درة التنزيل وغرة التأويل، (١/ ٢٢٢ - ٢٢٥).
(٥) التفسير الكبير، (١٤/ ٤٨).

<<  <   >  >>