للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثانية:

قال الإمام الرازي: «ذكر في هذه السورة {يُذَبِّحُونَ} بلا واو وفي سورة إبراهيم ذكره مع الواو، والوجه فيه أنه جعل قوله {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (١) مفسرًا بقوله {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} لم يحتج إلى الواو، وأما إذا جعل قوله (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) مفسرًا بسائر التكاليف الشاقة سوى الذبح وجعل الذبح شيئًا آخر سوى سوء العذاب احتيج فيه إلى الواو، وفي الموضعين يحتمل الوجهين إلا أن الفائدة التي يجوز أن تكون هي المقصودة من ذكر حرف العطف في سورة إبراهيم أن يقال: إنه تعالى قال قبل تلك الآية {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (٢)، والتذكير بأيام الله لا يحصل إلا بتعداد نعم الله تعالى فوجب أن يكون المراد من قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} نوعًا من العذاب والمراد من قوله {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} نوعًا آخر ليكون التخلص منهما نوعين من النعمة.

فلهذا وجب ذكر العطف هناك، وأما في هذه الآية لم يرد الأمر إلا بتذكير جنس النعمة وهي قوله: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} (٣) فسواء كان المراد من سوء العذاب هو الذبح أو غيره كان تذكير جنس النعمة حاصلًا فظهر الفرق» (٤).

وقال الإمام الإسكافي في درة التنزيل: «قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} (٥).

وقوله عز من قائل في سورة ابراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} (٦).

فأدخل الواو في قوله: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} في سورة إبراهيم، وحذفها منه في سورة البقرة، وجعل {يُذَبِّحُونَ} بدلا من قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}.


(١) سورة البقرة، الآية: (٤٩).
(٢) سورة إبراهيم، الآية: (٥).
(٣) سورة البقرة، الآية: (٤٠).
(٤) يُنظر: التفسير الكبير، (٣/ ٧٢، ٧٣).
(٥) سورة البقرة، الآية: (٤٩).
(٦) سورة إبراهيم، الآية: (٦).

<<  <   >  >>