للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقول في ذلك: أنه إذا جعل {يُذَبِّحُونَ} بدلا من قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} لم يحتج إلى الواو، وإذا جعل قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} عبارة عن ضروب من المكروه هي غير ذبح الأبناء لم يكن الثاني إلا بالواو، وفي الموضعين يحتمل الوجهان إلا أن الفائدة التي تجوز أن تكون خصصت لها الآية في سورة إبراهيم بالعطف بالواو، هي أنها وقعت هنا في خبر قد ضمن خبرا متعلقا به، لأنه قال قبله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (١)، ثم قال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} فضمن إخباره عن إرساله موسى بآياته إخباره عنه بتنبيه قومه على نعمة الله ودعائهم إلى شكرها، فكان قوله {وَيُذَبِّحُونَ} في هذه السورة في قصة مضمنة قصة تتعلق بها، هي قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا}.

والقصة المعطوفة على مثلها يقوى معنى العطف فيها فيختار فيما كان يجوز في العطف على سبيل الإيثار، لا على سبيل الجواز، وليس كذلك موقع {يُذَبِّحُونَ} في الآية التي في سورة البقرة؛ لأنه تعالى أخبر عن نفسه بإنجازه بني إسرائيل، وهناك أخبر عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه كذا، بعد أن أخبر عنه أنه أرسله إليهم بآياته. فافترق الموضعان من هذه الجهة» (٢).

من خلال عرض رأى الإمامين الجليلين يتضح أن الإمام الرازي قد نقل من الإمام الإسكافي دون أن يشير إلى ذلك.

المسألة الثالثة:

قال الإمام الرازي: «لم قال في البقرة {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} (٣) وفي الأعراف: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} (٤)؟ الجواب: الخطايا جمع الكثرة والخطيئات جمع للسلامة فهو للقلة، وفي سورة البقرة لما أضاف ذلك القول إلى نفسه فقال: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} لا جرم قرن به ما يليق جوده وكرمه وهو غفران الذنوب الكثيرة فذكر بلفظ الجمع الدال على الكثرة، وفي الأعراف لما لم


(١) سورة إبراهيم، الآية: (٥).
(٢) درة التنزيل وغرة التأويل، (١/ ٢٣٠ - ٢٣٢).
(٣) سورة البقرة، الآية: (٥٨).
(٤) سورة الأعراف، الآية: (١٦١).

<<  <   >  >>