للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يضف ذلك إلى نفسه بل قال {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} (١) لا جرم ذكر ذلك بجمع القلة، فالحاصل أنه لما ذكر الفاعل ذكر ما يليق بكرمه من غفران الخطايا الكثير (هـ) وفي الأعراف لما لم يسم الفاعل لم يذكر اللفظ الدال على الكثرة» (٢).

وقال الإمام الإسكافي في درة التنزيل: «فأما الكلام في (الخطايا) واختيارها في سورة البقرة فلأنها بناء موضوع للجمع الأكثر، والخطيئات جمع السلامة وهي للأقل الدليل على ذلك أنك إذا صغرت الدراهم قلت: دريهمات، فتردها إلى الواحد، وتصغره ثم تجمعه على لفظ القليل الملائم للتصغير، وكذلك الخطايا، لو صغرت لقلت: خطيئات فرددتها إلى خطيئة ثم صغرتها على خطيئة ثم جمعتها جمع السلامة الذي هو على حد التثنية المنبئ عن العدد الأقل من الجمع، فإذا ظهر الفرق بين الخطايا والخطيئات، وكان هذا الجمع المكسر موضوعا للكثير، والمسلم موضوعا للقليل استعمل لفظ الكثير في الموضع الذي جعل الإخبار فيه نفسه بقوله: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا … } وشرط لمن قام بهذه الطاعة ما يشرطه الكريم إذا وعد من مغفرته الخطايا كلها، وقرن إلى الأخبار عن نفسه جل ذكره ما يليق بجوده وكرمه فأتى باللفظ الموضوع للشمول فيصير كالتوكيد بالعموم لو قال: نغفر لكم خطاياكم كلها أجمع.

ولما لم يسند الفعل في سورة الأعراف إلى نفسه عز اسمه وإنما قال: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} (٣) فلم يسم الفاعل، أتى بلفظ (الخطيئات)، وإن كان المراد بها الكثرة كالمراد بالخطايا إلا أنه أتى في الأول لما ذكر الفاعل بما هو لائق بضمانه من اللفظ، ولما لم يسم الفاعل في الثاني في سورة الأعراف وضع اللفظ غير موضعه للفرقان بين ما يؤتى به على الأصل وبين ما يعدل عنه إلى الفرع (٤).

من خلال عرض رأى الإمامين الجليلين يتضح أن الإمام الرازي قد نقل من الإمام الإسكافي دون أن يشير إلى ذلك.


(١) سورة الأعراف، الآية: (١٦١).
(٢) التفسير الكبير، (٣/ ٩٩).
(٣) سورة الأعراف، الآية: (١٦١).
(٤) درة التنزيل وغرة التأويل، (١/ ٢٣٥ - ٢٣٧).

<<  <   >  >>