للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جواب آخر: أن معنى جوابهم لما كان في حياتنا ولا علم لنا بما كان منهم بعد موتنا لأن الأمور محالة على خواتيمها.

وهذا مما أخذه ابن جماعة عن الفخر الرازي، ذلك أن الفخر قال عند تفسيرآية المائدة: ظاهر قوله {لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (١) يدل على أن الأنبياء لا يشهدون لأممهم، والجمع بين هذا وبين قوله فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا مشكل ورد قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} (٢) مشكل، وأيضًا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (٣) فإذا كانت أمتنا تشهد لسائر الناس، فالأنبياء أولي بأن يشهدوا لأممهم بذلك؟

والجواب عنه من وجوه، وذكر - رحمه الله - منها في الوجه الثالث - وقال: وهو الأصح وهو الذي اختاره ابن عباس - أنهم إنما قالوا لا علم لنا لأنك تعلم ما أظهروا وما أضمروا، ونحن لا نعلم إلا ما أظهروه، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا؛ فلهذا المعنى نفوا العلم عن أنفسهم لأن علمهم عند الله كلا علم.

الجواب الرابع: أنهم قالوا: لا علم لنا إلا أن علمنا جوابهم لنا وقت حياتنا، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا والجزاء والثواب إنما يحصلان على الخاتمة، وذلك غير معلوم لنا فلهذا المعنى قالوا: لا علم لنا وقوله (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) يشهد بصحة هذين الجوابين.

فهذان الوجهان اللذان ذكرهما الفخر الرازي هما نفس ما أجاب به ابن جماعة على هذه المسألة، الأمر الذي يدل على أنه قد تأثر بالفخر الرازي وأنه كان يقتصر في الجواب على ما صح من الأوجه» (٤).


(١) سورة المائدة، الآية: (١٠٩).
(٢) سورة النساء، الآية: (٤١).
(٣) سورة البقرة، الآية: (١٤٣).
(٤) متشابه النظم في القرآن الكريم كشف المعاني في متشابه المثاني لابن جماعة (أنموذجا)، د/ سالم السكري، جامعة الأزهر، (ص: ٣١ - ٣٢).

<<  <   >  >>