للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من آمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان، وتمثل حقائق الإسلام حق التمثل، وإننا لنجد أثر هذا الإيمان وثمرة هذا التمثل في صنيع الأنصار الذين ضربوا المثل الأعلى في الحب والإيثار لإخوانهم المهاجرين حين قدموا عليهم مهاجرين بدينهم، لا يملكون شيئا، فقدم لهم الأنصار كل شيء، حتى كان أحدهم يقول لأخيه: هذا مالي فخذ شطره، وهاتان زوجتاي، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها لتكون زوجة لك بعد انقضاء عدتها، وكان الأخ المهاجر يقابل عاطفة أخيه الأنصارى بأحسن منها، فيقول له: بارك الله لك في مالك وأهلك، ما لشيء من هذا في نفسي حاجة، ولكن دلوني على السوق لأعمل.

وكان الأنصاري يستضيف أخاه من المهاجرين، وليس في بيته من الزاد

إلا قوت صبيانه، فيؤثره على نفسه وعياله، قائلا لزوجه: نومي صبيانك، وأطفئي السراج، وقدمي ما عندك للضيف، ونجلس معه إلى المائدة، نوهمه أننا نأكل معه، ولا نأكل. ويجلسون إلى المائدة، ويأكل الضيف وحده، ويبيت الزوجان طاويين، ويغدو الأنصاري على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقول له: ((لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة)) (١).

وبلغ من إيثار الأنصار للمهاجرين ومواساتهم لهم بأموالهم أنهم قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقالوا: تكفوننا المؤونة (٢)، ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا)) (٣).

وقد أكبر المهاجرون صنيع إخوانهم من الأنصار، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن


(١) متفق عليه.
(٢) أي تساعدوننا في زراعة البساتين.
(٣) رواه البخاري.

<<  <   >  >>