للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتمثل قوته تعالى:

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (١).

فإذا هو آية فريدة من آيات الخلق الرباني، يسع الناس بخلقه العظيم، فلا يقابل إساءتهم بإساءة، بل يقابلها بخلق العفو والعرف والإعراض عن الجاهلين، ويدفعها بالتي هي أحسن:

فعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى فجبذه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفث إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء)) (٢).

وبلغ من أصالة خلق العفو وعمقه في نفسه الشريفة أنه عفا عن المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة مسمومة، وذلك فيما رواه الشيخان وغيرهما أن امرأة يهودية أهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة مسمومة، فاأكل منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمسكوا فإنها مسمومة)). وجيء بالمرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها: ((ما حملك على ما صنعت؟)) قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، ولن تضرك. وإن لم تكن نبيا استرحنا منك. قالوا: ألا نقتلها؟ قال: ((لا))، وعفا عنها.

ولما عصت دوس، وأبت الإذعان لأمر الله - صلى الله عليه وسلم - رسوله، جاء الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن دوسا قد عصت وأبت،


(١) فصلت: ٣٤.
(٢) متفق عليه.

<<  <   >  >>