للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطريق على المادحين أن يسترسلوا في كيل المديح للناس، وفيهم من لا يستحق المديح، حين نهى مادحيه عن وصفه بالسيادة والفضل والطول، وهو سيد المسلمين وأعظمهم وأفضلهم لا ريب، لأنه كان يعلم أن باب المديح إذا فتح على مصراعيه أدى إلى مزالق خطيرة من النفاق، لا تستسيغها روح الإسلام الصافية النقية البريئة، ولا يقبلها الحق الذي قام عليه هذا الدين. وكان ينهى الصحابة عن مدح الإنسان في وجهه، لئلا يستجر المادح إلى النفاق، ولكيلا تأخذ الممدوح نشوة التيه والاختيال والاستعلاء والإعجاب بالنفس.

أخرج الشيخان عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: أثنى رجل على رجل عند النبى - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((ويلك! قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك)) ثلاثا. ثم قال: ((من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا، والله حسيبه، ولا يزكي على الله أحدا، أحسب كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه)).

فالمديح إذا كان لا بد منه فينبغي أن يكون صادقا منطبقا على واقع الممدوح، وينبغي أن يكون معتدلا متحفظا لا غلو فيه ولا شطط ولا مغالاة، وبذلك وحده ينقى المجتمع من أوباء النفاق والكذب والمخاتلة والتزلف والرياء والمجاراة.

وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن رجاء عن محجن الأسلمي رضا الله عنه أن رسول الله ومحجنا كانا في المسجد، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يصلي ويسجد ويركع، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من هذا؟)) فأخذ محجن يطريه، ويقول: يا رسول الله هذا فلان، وهذا فلان، فقال: ((أمسك، لا تسمعه، فتهلكه!)).

وفي رواية لأحمد: يا نبي الله، هذا فلان من أحسن أهل المدينة،

<<  <   >  >>