للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو قال: أكثر أهل المدينة صلاة، قال: ((لا تسمعه، فتهلكه- مرتين أو ثلاثا- إنكم أمة أريد بكم اليسر)).

لقد سمى الرسول الكريم إسماع المديح إهلاكا، لما له من آثار نفسية عميقة في النفس البشرية المجبولة على حب سماعه، فإذا الممدوح يتيه على الناس، ويشمخ بأنفه، ويصعر خده لهم، وإذا تكرر ذلك من المداحين المنافقين الكذبة الخداعين، وما أكثرهم حول المتنفذين وأصحاب المناصب والسلطات، صار ذلك عادة له، يلبي رغبة جياشة في نفسه، ومن هنا يكره سماع النصيحة والنقد، ولا يقبل إلا التقريظ والثناء والإشادة وحرق البخور، ولا عجب بعد ذلك إذا ضاع الحق، وقتل العدل، ووئدت الفضيلة، وفسد المجتمع.

ومن أجل ذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابته أن يحثوا التراب في وجه المداحين، لكيلا يكثر سوادهم في المجتمع الإسلامي، وبكثرتهم يفشو النفاق، ويكثر التزلف، ويعم البلاء.

أخرج الشيخان وأحمد والترمذي من غير طريق أن رجلا قام يثني على

أمير من الأمراء، فجعل المقداد رضي الله عنه يحثو في وجهه التراب، ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

((إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)).

ومن هنا كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يتحرجون من المديح يكيله لهم هؤلاء المداحون، مع أنهم أحق به وأهله، اتقاء مزالقه، وخشية هلكته، وتحليا بالخلق الإسلامي الأصيل البعيد عن هذه المظاهر الرخيصة الفارغة؛ فعن نافع رضي الله عنه وغيره أن رجلا قال لابن عمر رضي الله عنه: يا خير الناس! أو يابن خير الناس! فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس ولا

<<  <   >  >>