للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غالب الأوقات، وقد يندر منه غير ذلك، كما ندر من غيره بخلاف عادته، ويصحح هذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث نفسه: إن الله قبض أرواحنا، وقول بلال فيه: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، ولكن مثل هذا إنّما يكون منه لأمر يريده الله من إثبات حكم، وتأسيس سنة، وإظهار شرع، وكما قال في الحديث الآخر: لوَ شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم.

الثاني: أنّ قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه؛ لما روي: أنه كان محروساً، وأنه كان ينام حتى ينفخ، وحتى يسمع خطيطه، ثم يصلي، ولا يتوضأ، وحديث ابن عباس المذكور فيه وضوؤه عند قيامه من نومه مع أهله، فلا يمكن الاحتجاج به على وضوئه بمجرّد النوم، إذ لعل ذلك لملامسته الأهل، أو لحدث آخر، فكيف وفي آخر الحديث نفسه: ثم نام حتى سمعت خطيطه، ثم أقيمت الصلاة فصلَى، ولم يتوضأ، وقيل لا ينام قلبه من أجل الوحي، وأنه يوحى إليه في النوم، وليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس، وليس هذا من فعل القلب، وقد قال - عليه السلام -: إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإن قيل: فلولا عادته من استغراق النوم؛ لما قال لبلال: اكلأ لنا الصبح، فقيل الجواب: إنه كان من شأنه - عليه السلام - التغليس بالصبح، ومراعاة أوَل الفجر لا تصح ممن نامت عينه، إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح الظاهرة فوكل بلالاً بمراعاة أوّله؛ ليعلمه بذلك كما لو شغل بشغل غير النوم عن مراعاته، وزعم بعضهم أن قوله - عليه السلام -: ارتحلوا، وأخَر الصلاة، معارض بقوله فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، ويجاب بأنَ الارتحال إَنما كان بسبب

<<  <  ج: ص:  >  >>