وفي موضع آخر قال: ورواه سلمة بن صالح منفردا به ولم يتابع عليه، قال الحاكم: عن محمد بن عبد الرحمن الكوفي عن عطاء عن عائشة، وروى عن عبد الكريم عن عائشة مرفوعا، وهو وهم، والصحيح: عن عطاء من قوله، انتهى.
والذي يشبه أن يكون ابن معين أراد الطريق التي أسلفناها من عند الدارقطني أولا، يؤيد ذلك قول ابن عدي: والحديث الذي ذكره أبو زكريا هو ما روى عبيد الله بن عمرو عنه عن عطاء، فذكر حديث القبلة، ثم قال: إنما أراد ابن معين هذا الحديث؛ لأنه غير محفوظ، ثم قال: ولعبد الكريم أحاديث صالحة مستقيمة، يرويها عن قوم ثقات، وإذا روى عنه الثقات فحديثه مستقيم، وقول الدارقطني: يقال: إن الوليد وهم في قوله: عن عبد الكريم؛ فقد ينازع في ذلك على طريقة معلومة لمتأخري المحدثين والفقهاء إذا كان ثقة، ويطالب قائل ذلك بالدليل على ما حكم به من الوهم، وما تقدّم من متابعة ابن أعين تضعف قوله، وتقتضي أن للحديث أصلا من رواية عبد الكريم، وقال ابن الحصار في كتابه تقريب المدارك: وقد طعنوا على عبد الكريم؛ لانفراده برفع هذا الحديث، وليس ذلك مطعنا، وانفراد الثقة برفع الحديث لا يقدح فيه، وحديثه هذا مسند صحيح.
وأمّا رواية الثوري له موقوفا فهي مسألة مشهورة عند الفقهاء والأصوليين فيما إذا وقف ثقة ورفع ثقة، وعبيد الله بن عمرو من الثقات المخرج حديثهم في الصحيحين، وأيضا فعطاء صاحب فتوى معروف بذلك، فيجوز أن يكون أفتى بما روى، كما نقل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين، فلا يقوي القرينة في غلط من رفع كلّ القوة،