للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحريفهم معنى قوله ﷿: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٨٤] بقولهم: إنه قادر على كل ما هو مقدور له، وكذلك بيان ضلالهم في إخراجهم المشيئة عن بعض مخلوقاته سبحانه.

ومذهبهم هذا مردود باطل، إذ أنه يتضمن أن يكون في ملك الله ما لا يريده وما لا يقدر عليه، وهذا الأصل هو الإيمان بربوبيته العامة التامة، فإنه لا يؤمن بأنه رب كل شيء إلا من آمن أنه قادر على تلك الأشياء، ولا يؤمن بتمام ربوبيته وكمالها إلا من آمن بأنه على كل شيء قدير، وأنه فعال لما يريد (١)، وسيأتي مزيد تفصيل في الرد عليهم في مبحث أفعال العباد.

وأما الأمر الثالث: وهو تجويزهم تعلق المشيئة بما هو خارج عن القدرة؛ فقد صرح به القاضي عبد الجبار فقال: "ونحن إذا قلنا إنه تعالى مريد فلا نعني به كونه قادرًا ولا عالمًا، لأنه قد يريد ما لا يقدر عليه، وقد يقدر على ما لا يريده" (٢).

وهذا أيضًا واضح البطلان، من وجوه:

الأول: ما تقدم من أدلة على عموم قدرة الرب على كل شيء، فليس ثَمَّ شيء خارج عن القدرة أصلًا.

الثاني: أن لفظ المشيئة - كما تقدم - كوني، فلا بد إذا شاء الرب شيئًا أن يكون، ولا يمكن أن يتخلف أصلًا، والمعتزلة - مع سائر المخالفين - إنما ضلوا في هذا الباب بعدم تفريقهم بين المشيئة والمحبة، والمراد الكوني والمراد الشرعي، وسيأتي الرد عليهم في هذا في موضعه إن شاء الله.


(١) انظر: شرح الطحاوية (١/ ١١٧).
(٢) شرح الأصول الخمسة (٤٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>