للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة: أنه سبحانه جعل ما قدمته أيديهم من الكفر والذنوب سببًا لإصابتهم بالمصيبة، وجعل إرسال الرسول حجة قاطعة لعذرهم في عدم بلوغهم مراده سبحانه، فالمعصية سبب والحجة شرط، فإذا وجد السبب وتحقق الشرط؛ وجد مقتضاهما من العقوبة.

وفي هذه الآية حجة كذلك على ثبوت الحسن والقبح قبل الشرع؛ لأن أفعالهم لو لم تكن حسنة وقبيحة لما كانت سببًا للعقوبة (١).

قال ابن القيم : "والتحقيق في هذا أن سبب العقاب قائم قبل البعثة، ولكن لا يلزم من وجود سبب العذاب حصوله، لأن هذا السبب قد نصب الله تعالى له شرطًا وهو بعثة الرسل، وانتفاء التعذيب قبل البعثة، هو لانتفاء شرطه لا لعدم سببه ومقتضيه، وهذا هو فصل الخطاب في هذا المقام" (٢).

[المسألة الثالثة: أن من الحسن والقبح ما هو لازم للفعل لا ينفك عنه، ومنه ما ليس بلازم له، بل يتغير بتغير الأحوال والأشخاص والأزمان. . .]

مراد أهل السنة بكون الفعل حسنًا أو قبيحًا في ذاته: أنه في نفسه منشأ للمصلحة والمفسدة، فالحسن سبب للمصلحة، والقبيح سبب للمفسدة، فترتب المصلحة والمفسدة في الفعل عليهما كترتب سائر المسبَّبات على أسبابها، كالرِّي على الشرب، والشبع على الأكل، لكن قد تختلف المصلحة والمفسدة - كسائر المسببات الأخرى - باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن، فالدواء قد يكون نافعًا في حق شخص ضارًّا في حق آخر، ترياقًا في حال، وسمًّا في حال


(١) انظر: مدارج السالكين (١/ ٢٣٢ - ٢٣٣).
(٢) مفتاح دار السعادة (٢/ ٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>