للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]

منْع الاحتجاج بالقدر على الذنوب مما اتفق عليه أهل الإسلام - كما تقدم نقل إجماعهم - ولم يخالف في ذلك إلا شُذَّاذٌ من الخلق، وهو ليس مذهبًا لطائفة من بني آدم، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك عند الكلام على موقف الناس حيال الشرع والقدر.

وجملة المخالفين في الشرع والقدر من وجهة أخرى ثلاثة أصناف (١):

الأول: القدرية المجوسية: وهم الذين يجعلون لله شركاء في خلقه؛ فيقولون: إن الذنوب الواقعة ليست واقعة بمشيئة الله تعالى، وقال أسلافهم: ولا يعلمها أيضًا، ويقولون: إن جميع أفعال الحيوان واقعة بغير قدرة الرب سبحانه ولا صنعه، فيجحدون مشيئته النافذة وقدرته الشاملة؛ ويزعمون أن هذا هو العدل، وهذا يقع كثيرًا إما اعتقادًا وإما حالًا في كثير من المتفقهة والمتكلمة، وقد يبتلى به - حالًا لا اعتقادًا - بعضُ من يغلب عليه تعظيم الأمر والنهي من غير ملاحظة للقضاء والقدر.

الثاني: القدرية المشركية: وهم الذين اعترفوا بالقضاء والقدر، وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي، وقالوا: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، وقالوا: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٣٥]، وقالوا: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠]. فهؤلاء يؤول أمرهم إلى تعطيل الشرائع والأمر والنهي مع الاعتراف بالربوبية العامة لكل


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٢٥٦ - ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>