للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]

تقدم في المبحث الماضي حكاية أقوال الفرق في مسألة خلق الأفعال على سبيل الإجمال، وأنها على قولين: قول القدرية، وقول الجبرية.

أما الأول: فقول القدرية المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن العباد يخلقون أفعالهم ويحدثونها، وأن الله سبحانه لم يخلقها.

وأقوال أئمتهم في تقرير هذا المذهب كثيرة، بل قد حكوا اتفاقهم عليه، ومن ذلك ما تقدم من قول القاضي عبد الجبار: "اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن الله ﷿ أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن من قال أن الله سبحانه خالقها ومحدثها؛ فقد عظم خطؤه" (١) (٢).

وقال أيضًا: "فصل في خلق الأفعال، والغرض به الكلام على أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنهم المحدثون لها" (٣).

وقال أيضًا: "أفعال العباد لا يجوز أن توصف بأنها من الله تعالى ومن عنده ومن قبله وذلك واضح، فإن أفعالهم حدثت من جهتهم وحصلت بدواعيهم وقصودهم، واستحقوا عليها المدح والثواب والعقاب، فلو كانت


(١) المغني في أبواب التوحيد والعدل (٨/ ٣)، وانظر: الإرشاد للجويني (١٨٧).
(٢) وخالف في ذلك من المعتزلة: ضرار بن عمرو وحفص الفرد؛ فقد وافقا أهل السنة، ومعمر والجاحظ؛ فقد قالا إنها اضطرارية وهي فعل الطبيعة وليس للإنسان من الفعل إلا الإرادة، انظر: الفصل (٣/ ٨١ - ٨٢) و (٥/ ٥٧).
(٣) شرح الأصول الخمسة (٣٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>