للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]

مراتب القدر الأربعة هي الدعائم التي يقوم عليها الاعتقاد الصحيح في هذا الباب العظيم الشريف، فمن أتى بها كاملة فاز وأنجح، ومن لا؛ خسر وهلك، ولا يقتصر تحقيقها على مجرد الإثبات دون تحقيق ما حوته من معان ودلالات.

وإثباتها كاملة على الوجه الصحيح لم يتحقق لغير أهل السنة والجماعة، وسواهم ما بين ناف لها كلها، أو ناف لبعضها، أو مثبت لها على هواه ورأيه دون ما دلت عليه في حقيقة الأمر، على ما سيأتي بيانه.

فذهب القدرية الأوائل إلى إنكار مراتب القدر كاملة؛ فأنكروا العلم السابق وزعموا أن الأمر أُنُف، وهم الذين ظهروا في أواخر عهد الصحابة فتبرؤوا منهم وردُّوا بدعتهم.

وكان أول من قال بهذا القول: معبد الجهني بالبصرة، كما في قصة يَحيى بن يعمر (١) مع ابن عمر، وفيها قوله: "أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبَلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم - وذكر من شأنهم - وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف"، فقال له ابن عمر : "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه؛ ما قَبل الله منه حتى يؤمن بالقدر" (٢).


(١) هو: أبو سليمان ويقال أبو عدي، يحيى بن يعمر الوشقي العدواني البصري، من علماء التابعين، مات سنة (١٢٩ هـ) وقيل غير ذلك.
انظر: سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٤١)، وتهذيب التهذيب (٤/ ٤٠١).
(٢) رواه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله (١/ ٣٦) ح (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>