[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]
خالف أهل السنة في هذه القاعدة: الأشاعرة والمعتزلة.
أما الأشاعرة؛ فبعد إقرارهم بأن الله سبحانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأن الهدى والإضلال بيده سبحانه؛ أنكروا أن يكون للعبد أثر في الاهتداء والضلال، ففسروا الهداية بخلق الله سبحانه الهدى في قلب العبد، والإضلال بخلق الضلال في قلب العبد، وهذا القدر صحيح بلا ريب، وهو مما وافقوا فيه أهل السنة، إلا أنه غير كاف في بيان الأمر، فالهدى والضلال كما تقدم كل منهما مرتبتان: أولاهما فعل الرب سبحانه، وهو الهدى والإضلال، وثانيهما فعل العبد وهو الاهتداء والضلال، فالله الهادي والمضل، والعبد المهتدي والضال.
فللعبد فعل وأثر في ذلك؛ أما الهداية فهي في أصلها محض منة الله سبحانه وفضله وكرمه، لكن العبد يتسبب في أنواع الهداية، ففعله الحسنة الأولى سبب لمنِّ الله عليه بالحسنة الثانية، كما قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ٧]، فذكر تيسيره لليسرى جزاء على إعطائه وتقواه وتصديقه، ولا شك أن هذا نوع من أنواع الهداية.
وأما الإضلال فهو عدل من الله سبحانه بسبب من العبد، كما أخبر سبحانه عن قوم ثمود بقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [فصلت: ١٧]، فأضلهم الله سبحانه بتركهم الهدى وبيان الرسول وإعراضهم.
فالأشاعرة أنكروا أثر العبد وتسببه في هداية أو ضلال، فأرجعوا