[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]
لما كانت هذه القاعدة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببابي خلق الأفعال والهدى والإضلال؛ فإن المخالف فيهما مخالف فيها على وجه الإجمال، إلا أن هذه القاعدة مختصة ببيان أن الرب سبحانه يخلق الاختيار والمشيئة في قلب العبد ويجعله شائيًا مختارًا محبَّا.
وهذا القدر خالف فيه عموم المخالفين لأهل السنة، فلم يقروا به، بل هم إزاء ذلك فريقان:
- من ينكر أن يكون الله خالقًا لإرادة العبد أو مشيئته، ويجعلُ العبد هو المختار الشائي بمعزل عن مشيئة الرب وقدرته، وهم القدرية المعتزلة من شايعهم.
- من يزعم أن الله سبحانه قد أجبر العبد على فعله، وأنه لا مشيئة له ولا اختيار؛ بل هو كالريشة في مهب الريح، وهؤلاء الجبرية الخلص وهم الجهمية.
ويلحق بهم من زعم أن العبد كاسب لفعله، وهؤلاء الجبرية المتوسطة وهم الأشاعرة، والأولون يقولون بالجبر على المعنى النفي عن الرب سبحانه وهو الذي بمعنى الإلزام بما لا يرضاه الأخر، كإجبار الرجل على ترك طعام أو فعل قبيح لا يرضى بفعله.
فالمخالفون دائرون بين هذين الأمرين: الجبر المنفي عن الرب سبحانه، وضده من نفي مشيئة الرب وقدرته، وأما إثبات مشيئة للعبد واختيار مخلوق لله سبحانه في قلب العبد يحمله به على فعل ما يريد هو سبحانه؛ فلم يثبته غير أهل السنة، وسيأتي بإذن الله في مبحثي أفعال العباد تفصيل أقوال هؤلاء المخالفين وردها.