هذه القاعدة تقرر أصلًا مهمًّا وهو النهيُ عن التكلف والتعمق في باب القدر، وتركُ إعمال العقل فيه بمعزل عن نصوص الشرع.
وتضمنت أيضًا التنبيه على أن الطمع مقطوع عن إدراك حقيقته، لأن الله أخفاها عنا، فلا سبيل لنا لمعرفتها وقد أخفاها الله ﷿.
ومعنى كون القدر سِرّ الله: أي الجانب الخفي منه هو السِّر لا كله، إذ القدر له جانبان:
الجانب الأول: جانب ظاهر أمرنا بتعلمه ومعرفته، وهو ما خوطبنا به في الشرع إيمانًا به؛ علمًا وعملًا، وهو أن نعلم ونؤمن أن الأمور كلها بتقدير الله ﷾ وأن الله سبحانه علم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأنه كتب كل شيء في اللوح المحفوظ وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ﷾، وأنه ﷿ خالق كل شيء وربه ومليكه.
ونعلم كذلك سائر المسائل المندرجة تحت هذه الأصول؛ كأن نعلم أن الخير والشر من الله، وأن الطاعة والمعصية بقضاء الله وقدره وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن الله خلق الجنة وخلق لها أهلًا علمهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، ووفقهم لأعمال صالحة رضيها؛ أمرهم بها فوفَّقهم لها وأعانهم عليها وشكرهم بها وأثابهم الجنة عليها، تفضُّلًا منه ورحمة، وخلق النار وخلق لها أهلًا، أحصاهم عددًا، وعلم ما يكون منهم، وقدَّر عليهم ما كرهه لهم، خذلهم بها وعذبهم لأجلها، غير ظالم لهم ولا هم معذورون فيما حكم عليهم به.